السؤال
هل تصح قصة العباسة، وجعفر البرمكي؟ وما الدليل على صدقها، أو بطلانها؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن قصة زواج العباسة، وجعفر البرمكي، قصة مكذوبة، ويؤيد بطلانها عدم وجود سند لها في الكتب التي نقلتها كتاريخ الطبري، وكتاب جرجي زيدان.
وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية هذا القول، من جملة الأقوال فقال: وقيل إنما قتلهم بسبب العباسة. ومن العلماء من أنكر ذلك، وإن كان ابن جرير قد ذكره. اهـ.
وقال ابن خلدون في تاريخه: ومن الحكايات المدخولة للمؤرخين، ما ينقلونه كافة في سبب نكبة الرشيد للبرامكة من قصة العباسة أخته، مع جعفر بن يحيى بن خالد مولاه، وأنه لكلفه بمكانهما من معاقرته إياهما الخمر، أذن لهما في عقد النكاح دون الخلوة، حرصا على اجتماعهما في مجلسه، وأن العباسة تحيلت عليه في التماس الخلوة به لما شغفها من حبه، حتى واقعها (زعموا في حالة السكر) فحملت، ووشي بذلك للرشيد، فاستغضب، وهيهات ذلك من منصب العباسة في دينها، وأبويها وجلالها ... وإنما نكب البرامكة ما كان من استبدادهم على الدولة، واحتجافهم أموال الجباية، حتى كان الرشيد يطلب اليسير من المال، فلا يصل إليه، فغلبوه على أمره، وشاركوه في سلطانه، ولم يكن له معهم تصرف في أمور ملكه، فعظمت آثارهم، وبعد صيتهم، وعمروا مراتب الدولة وخططها بالرؤساء من ولدهم، وصنائعهم، واحتازوها عمن سواهم من وزارة وكتابة، وقيادة وحجابة، وسيف وقلم. اهـ.
وقد نقل الدكتور عبد الجبار الجومرد في كتابه "هارون الرشيد" عن الجهشياري: قال عبدالله بن يحيى بن خاقان: سألت مسرورا الكبير، في أيام المتوكل -وكان قد عمر إليها، ومات فيها- عن سبب قتل الرشيد لجعفر، وإيقاعه بالبرامكة، فقال: كأنك تريد ما تقوله العامة فيما ادعوه من أمر المرأة؟! فقلت له: ما أردت غيره، فقال: لا والله، ما لشيء من هذا أصل، ولكنه من ملل موالينا وحسدهم. اهـ.
والله أعلم.