السؤال
مسألة نحتاجها قبل رمضان. عند(م) ح "من أصبح منكم اليوم صائما، قال أبوبكر: أنا."
هل يشمل هذا صيام رمضان، فيأتي ببقية الأعمال في نهار رمضان، وينال الفضل، أم هو خاص بصيام التطوع، كما هو ظاهر الحديث، فلو كان الحديث في رمضان، لما احتاج عليه الصلاة والسلام إلى السؤال إلا تأكيدا، ولما جاز للصحابة ممن حضر مجلسه السكوت؛ لأن إجابته عليه الصلاة والسلام واجبة. والتطوع فيه تمييز بمزيد اجتهاد من العمل الصالح، والفرض يؤديه الجميع.
فهل وقفتم على كلام لأهل العلم من فتاوى، أو تبويبات، أو شروح، ينص على أنه يشمل فرض رمضان أيضا خلافا لظاهره؟
صنيع الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف312، يظهر منه أنه يقرر شمول الحديث للفرض، ولم ينص على ذلك، لكن ذكره ضمن المجلس الثاني: {في فضل الجود في رمضان، وتلاوة القرآن} وكذا ش/ العثيمين في مجالس شهر رمضان 78 المجلس11 في آداب الصيام المستحبة، وهو موافق لابن رجب، دون أن ينص على ذلك. لكن ش: ابن باز، نص على أن هذا في التطوع، ولم يبين هل يدخل فيه الفرض أو لا. وذلك في شرح ش/ ابن باز ل ك/ وظائف رمضان، الملخص من لطائف المعارف لابن رجب، وشرحه طبعته مؤسسة ابن باز الخيرية، ص108، وهو يشرح كلام ابن رجب، ذكر ح (من أصبح صائما) ثم قال ما نصه: {فيه الحث على التطوع بالصيام، وزيارة المرضى والعيادة، واتباع الجنائز، وكثرة الصوم، لصوم الإثنين والخميس، أو ثلاثة أيام من كل شهر، أو صيام يوم وفطر يوم، الإنسان يجتهد فيما يستطيع من الخير ولو قل، فإن الخير مطلوب ولو قل} انتهى كلام ش/ ابن باز رحم الله الجميع.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من صنيع الحافظ ابن رجب في الحديث، صحيح، بل الذي يقطع به أن الحافظ ابن رجب -رحمه الله- يرى شمول هذا الحديث لصوم رمضان، والمتأمل لعبارته لا يكاد يخفى عليه هذا، فإنه قال في لطائف المعارف ما نصه: ومنها: أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة، والعتق من النار لا سيما في ليلة القدر، والله تعالى يرحم من عباده الرحماء، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء" فمن جاد على عباد الله، جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل.
ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة، كما في حديث علي -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها، قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام" وهذه الخصال كلها تكون في رمضان، فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام، والصدقة، وطيب الكلام، فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث.
والصيام والصلاة والصدقة توصل صاحبها إلى الله عز وجل. قال بعض السلف: الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق، والصيام يوصله إلى باب الملك، والصدقة تأخذ بيده فتدخله على الملك. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من تصدق بصدقة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن عاد منكم مريضا"؟ قال أبو بكر: أنا، قال: "ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة. انتهى.
ويؤيد هذا ما استقر في الشرع من فضل الفرض على التطوع، قال الله تعالى في الحديث القدسي: وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه. رواه البخاري، فإذا كان هذا الثواب يحصل لمن كان صائما تطوعا، وضم بقية الأعمال المذكورة في الحديث إلى الصوم، فلأن يحصل لمن كان صائما الصوم المفروض، الذي هو أحب إلى الله تعالى، أولى وأحرى، ومن ثم، فالذي يظهر لنا هو شمول الحديث لصوم الفرض والتطوع.
والله أعلم.