السؤال
في يوم ذهبت أنا وأخي لإحضار خادمة من مكة، فكلم أخي المسؤولة عن الخدم؛ لكي نعرف موقعهم، وقالت له بأنهم بجانب مسجد (لا أذكر اسمه) وأخذنا وقتا لكي نجد هذا المسجد، فقام بلعن الخادمة والمسجد؛ لأنه لم يجده، ثم قال: أستغفر الله.
سؤالي هو: هل يكون أخي قد كفر بسبب لعنه للمسجد؟
وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن لعن المسجد محرم شرعا، بل يخشى الكفر على من فعله؛ لأن المسجد من شعائر الإسلام الظاهرة، وتعظيمه من تعظيم شعائر الدين، والاستخفاف به، أو تنقصه، أو تحقيره، أو لعنه، من الاستخفاف بشعائر الدين؛ فقد قال الله تعالى: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب {الحج:32}، وقال تعالى: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال {النور:36}، وفي الحديث: وأحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها. رواه مسلم.
وجاء في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر: إذا أنكر آية من القرآن، واستخف بالقرآن، أو بالمسجد أو بنحوه مما يعظم في الشرع، أو عاب شيئا من القرآن، أو خطئ، أو سخر بآية منه، كفر ... اهـ.
وإذا كان العلماء منعوا القضاء فيها؛ لما يحصل من امتهان المساجد، وكلام الناس فيها بينهم بما لا يليق، فمن باب أحرى أن يمنع توجيه اللعن للمسجد مباشرة.
فقد قال ابن فرحون في تبصرة الحكام في أصول الأقضية، ومناهج الأحكام: وذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى القاضي تميم بن عبد الرحمن: أن لا يقضي في المسجد، وبذلك أخذ الشافعي -رحمه الله- واحتجوا بأنه فيه تضييق على الناس، فمنهم الحائض والجنب، وأهل الذمة. وفيه امتهان المسجد بكثرة اللغط واللجاج، وما يقع بين الخصوم من اللجاج، وأيضا فإن بعض العوام يدخل المسجد ورجله فيها بلل، وربما كانت غير طاهرة، ومفاسد عديدة ذكرها الشافعية. واحتجوا بقوله تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع} [النور: 36] وليس في القضاء في المسجد إلا إهانة المسجد. اهـ.
ويحرم لعن المسلم المعين.
فقد قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: كان أهل العلم يختارون فيمن عرف بالظلم ونحوه، مع أنه مسلم له أعمال صالحة في الظاهر -كالحجاج بن يوسف وأمثاله- أنهم لا يلعنون أحدا منهم بعينه، بل يقولون كما قال الله تعالى: ألا لعنة الله على الظالمين. فيلعنون من لعنه الله ورسوله عاما، كقوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله الخمر، وعاصرها ومعتصرها، وبائعها ومشتريها، وساقيها وشاربها، وحاملها والمحمولة إليه، وآكل ثمنها. ولا يلعنون المعين. كما ثبت في صحيح البخاري وغيره: أن رجلا كان يدعى حمارا، وكان يشرب الخمر. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلده، فأتي به مرة، فلعنه رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنه؛ فإنه يحب الله ورسوله. وذلك لأن اللعنة من باب الوعيد، والوعيد العام لا يقطع به للشخص المعين لأحد الأسباب المذكورة: من توبة، أو حسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة. وغير ذلك.. وطائفة من العلماء يلعنون المعين كيزيد، وطائفة بإزاء هؤلاء يقولون بل نحبه؛ لما فيه من الإيمان الذي أمرنا الله أن نوالي عليه. إذ ليس كافرا، والمختار عند الأمة: أنا لا نلعن معينا مطلقا. ولا نحب معينا مطلقا. انتهى.
وفي حاشية الجمل على المنهج: ويحرم لعن المسلم المستور، ويجوز لعن أصحاب الأوصاف المذمومة كالفاسقين والمصورين، وأما لعن المعين من كافر، أو فاسق، فقضية ظواهر الأحاديث الجواز، وأشار الغزالي إلى تحريمه، إلا من علم موته على الكفر. انتهى.
وراجعي للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 93245 // 31024 // 224872.
والله أعلم.