السؤال
عمري ١٥ سنة، وملتزمة دينيا -والحمد لله- إلى أن ابتليت مطلع مايو الماضي بوساوس وأفكار كفرية -والعياذ بالله-، وكنت أحاول بشتى الطرق أن أطردها من داخلي، وأبكي، وأشعر بغثيان كلما أتتني، ولأحاول طردها كنت كلما أتتني أتوضأ وأصلي ركعتين، وأقرأ الأذكار، فتذهب قليلا، ثم تعود بشدة، وأصبح الموضوع نوبات، كلما قرئ القرآن تبدأ هذه التساؤلات تجول في خاطري، علما أنني أصلا قبل الإصابة بهذا المرض كنت موسوسة بشأن النظافة، حتى وصل الأمر إلى أنني كنت لا أسمح لأحد بالجلوس على سريري؛ خوفا من التلوث، وكانت هذه الأفكار القذرة لا تفارقني، وأصبحت أبكي كل يوم، وكلما سألتني أمي عن السبب أخبرها أنه ملل العطلة، ولكن -كما تعلمون- قلب الأم يشعر بعمق، ومع ذلك هي لم تعلم شيئا، ولكنها تشعر أنني أكذب، وأنا لم أخبر أحدا قط، والموضوع كان يزداد بشدة، وكنت لا آكل، و لا أنام من الخوف، ونسيت معنى الضحك، وعندما كنت أقرأ آيات عذاب الكفار أقول لنفسي: من المؤكد أن الله أرسل لك الآية هذه ليعلمك بمصيرك، فأبكي أكثر، وأحاول بشتى الطرق أن أطرد هذه الأفكار، وعقدت العزم على أن لا أفكر فيها ثانية ما دمت لا أجد في نفسي ردا عليها، وقرأت عندكم كيفية التخلص من الوساوس، فزادني هذا عزيمة، وعاد كل شيء كما كان من قبل، ولكن سرعان ما عادت، ولكن بشكل آخر، فأثناء قراءتي عن كيفية التخلص من الوساوس قرأت حديثا شريفا يقول ما معناه: إن الله سيغفر لنا ما يحدث بداخلنا ما لم نعمل به، أو نتكلم، فخشيت أنني أثناء ما كنت أتساءل، وتجول في خاطري هذه القاذورات أن أكون قلت شيئا منها، ولا أذكر تحديدا ما قلته، ولكنني أشعر أنني قلت شيئا، وإن كنت قلت فإنني لم أكن أعلم، فكيف لعاقل أن يعلم كلمة الكفر ثم يقولها، فإن كنت قلت شيئا فقد قلته جهلا به وسهوا ونسيانا، وأنا أموت من كثرة البكاء والندم، وأشعر أنني بذلك لم أعد من المسلمين، حتى أنني في قيام الليل عندما أدعو الله أسمع أصواتا في داخلي تقول لي: "الكيس مخروم، أنت تتوسلين إلى الله، وهو لا يلتفت إليك؛ لأنك كافرة" وأشياء هكذا.
السؤال هنا: الأمر كان فيه شيء من التساؤل والتأمل، فهل هذا شك أم وسوسة؟ وقد قرأت الفرق بينهما عندكم ولم أفهمه، وهل أنا كافرة أم لا أزال مؤمنة؟ وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك العافية مما تعانين منه، وقد أحسنت في علاج الأمر بالصلاة، والأذكار.
واعلمي أن ما تعانين منه لا يقع به الكفر، ولا عبرة بشكك في صدور قول منك، فإن الخروج من الملة لا يحصل إلا بتيقن حصول ما يناقض التوحيد، فما ذكرته لا يعدو حديث النفس، ووساوس الشيطان، والخواطر التي تمر بالقلب دون أن يطمئن إليها.. وهذه لا يحصل بها الكفر، ولا يؤاخذ الشخص بها شرعا، ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل، أو تتكلم.
وقد ذكرنا في كثير من الفتاوى سابقا أن حديث النفس إذا تعلق بالعقيدة والإيمان، وكانت النفس تأباه وتكرهه، فإن ذلك هو الإيمان أو صريح الإيمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: "ذاك صريح الإيمان".
ونظم هذا المعنى بعض الفضلاء فقال:
وما به يوسوس الشيطان * والقلب يأباه هو الإيمان
فلا تحاجج عنده اللعينا * فإنه يزيده تمكينا.
فينبغي للمسلم إذا وجد شيئا من ذلك أن يقطعه عن نفسه، ولا يسترسل فيه.
وهنا لا بد من التنبيه على أن الأمراض النفسية -كالوسواس القهري، والتفكير الوسواسي- الذي لا يستطيع صاحبها التوقف عن الأفكار السخيفة التي تعرض له، رغم إيمانه بأنها خاطئة، ومحاولته المستمرة في التوقف عنها، أن هذا لا يقف الحد معه عند مجرد العفو، والتجاوز، والمغفرة، بل صاحبها مأجور على مجاهدته لهذه الوساوس، وراجعي للأهمية في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 60628، 3086، 134765.
وأما ما تجدينه عند قراءة آيات عذاب الكفار، فعالجيه بكثرة النظر في نصوص الترغيب والترهيب، والتبشير والإنذار، وكوني دائما بين الخوف والرجاء، وقوي جانب الرجاء حينما يريد الشيطان أن يلبس عليك، ويقنطك من الرحمة، وقوي الخوف عندما يريد تأمينك من سخط الله وغضبه، ويدل لتأكيد الحرص على الأمرين، قوله تعالى: وادعوه خوفا وطمعا {الأعراف:56}، وقوله في وصف بعض الأنبياء: ويدعوننا رغبا ورهبا {الأنبياء:90}، ويدل لخطورة اليأس، وأمن غضب الله قوله تعالى: ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضآلون {الحجر:56}، وقوله تعالى: أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون {الأعراف:99}.
وأما الفرق بين الشك المخرج من الملة وبين الوسوسة، فالوسوسة: شيء يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهه العبد ونفاه دلت كراهته على صريح الإيمان.
وأما الشك: فهو نقيض اليقين، وهو التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه -أعاذنا الله وإياك منه-.
والله أعلم.