السؤال
قرأت في أحد المواقع أن أولي العزم رسالتهم عامة فهل هذا صحيح؟ وإن لم يكن فلماذا دعا الحواريون الأمم الأخرى كما هو مشهور بالإضافة إلى ذكر ذلك في تفسير سورة يس عن أنطاكية ؟ وقد وقفت على نقل لابن تيمية في إحدى فتاويه : قال شيخ الإسلام: دعوى العصمة في كل واحد من الحواريين, وأنهم رسل الله بمنزلة إبراهيم وموسى - عليهما السلام - دعوى ممنوعة, وهي باطلة, وإنما هم رسل المسيح - عليه السلام - بمنزلة رسل موسى ورسل إبراهيم ورسل محمد, وأكثر النصارى أو كثير منهم أو كلهم يقولون: هم رسل الله, وليسوا بأنبياء, وكل من ليس بنبي فليس برسول الله, وليس بمعصوم, وإن كانت له خوارق عادات, كأولياء الله من المسلمين وغيرهم، فإنه - وإن كانت لهم كرامات من الخوارق - فليسوا معصومين من الخطأ. انتهى. من هم رسل إبراهيم وموسى؟ وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القول بأن رسالة أولي العزم عامة غير صحيح، فأولو العزم وغيرهم من الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يبعثون إلى أقوامهم خاصة، قال الله تعالى في شأن عيسى عليه السلام: ورسولا إلى بني إسرائيل {آل عمران:49}، قال البغوي في تفسيره: وتخصيص بني إسرائيل بالذكر لخصوص بعثته إليهم، أو للرد على من زعم أنه مبعوث إلى غيرهم. اهـ.
وكون الأنبياء يبعثون إلى أقوامهم خاصة لا يعني ذلك عدم جواز دعوة الرسول غير قومه -من غير أن يكون مكلفا بذلك- أو أن يدخل في دينه من ليس من قومه، وعلى هذا يحمل ما ذكر من دعوة بعض الرسل وأتباعهم لغير قومه، وإيمان من آمن بهم من غير أقوامهم، ولذلك كانت دعوة الحواريين وغيرهم من أصحاب الرسل وأتباعهم لأقوامهم ولغيرهم، كما جاء ذلك الرجل من أقصى المدينة ينصح أهلها باتباع رسل الله، كما قص الله علينا في سورة يس.
جاء في الجواب الصحيح لشيخ الإسلام ابن تيمية: وهؤلاء المرسلين كانوا رسلا لله قبل المسيح، وأنهم كانوا قد أرسلوا إلى أنطاكية.. ولم تؤمن أهل المدينة بالرسل بل أهلكهم الله تعالى; كما أخبر في القرآن، ثم بعد هذا عمرت أنطاكية وكان أهلها مشركين حتى جاءهم من جاءهم من الحواريين فآمنوا بالمسيح على أيديهم، ودخلوا دين المسيح.
وأما رسل إبراهيم وموسى وغيرهما من الأنبياء فهم أصحابهم وحواريوهم وإن كانوا لم يسموا لنا؛ فهم الذين آمنوا بهم وحملوا دعوتهم.. وقد ذكر بعض أهل التفسير أن رسل موسى وعيسى عليهما السلام أتوا إلى العرب؛ فجاء في تفسير نظم الدرر للبقاعي عند قول الله تعالى "لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك" فقال: {ما آتاهم من نذير} أي منهم،.. وإلا فقد أتتهم رسل موسى عليه السلام، ثم رسل عيسى عليه السلام" لكنه لم يسم منهم أحدا.
وقد جاءت الإشارة في القرآن الكريم إلى أصحاب إبراهيم عليه السلام، وأنهم تبرأوا من قومهم المشركين في قول الله تعالى: قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله. قال أهل التفسير: أصحاب إبراهيم من المؤمنين، وقيل: هم الأنبياء.
وأما رسل محمد صلى الله عليه وسلم- في زمنه فمعروفون؛ فمنهم عمرو بن أمية الضمري، ودحية بن خليفة الكلبي، وعبد الله بن حذافة السهمي، وحاطب بن أبي بلتعة، وعمرو بن العاص، وسليط بن عمرو، وشجاع بن وهب، والعلاء بن الحضرمي، وأبو موسى الأشعري، ومعاذ بن جبل رضي الله عن الجميع.
والحاصل أن رسل الله جميعا كانوا يكلفون بتبليغ الرسالة، والدعوة لأقوامهم خاصة، ولا مانع من أن يدعو الرسول أو يدعو أصحابه وأتباعه غير أقوامهم، وأن رسلهم هم أصحابهم..
وأن الذي بعث إلى الناس كافة، وكلف أتباعه بالدعوة إلى شريعته إنما هو خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهو الذي أرسله الله للعالمين، من الإنس والجن، عربهم وعجمهم، كما قال تعالى: (وما أرسلناك إلا كافة للناس) {سبأ:28}، وقال تعالى: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ){الأعراف:158}، ) وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي..... وذكر منها: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت للناس عامة". ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 224575.
والله أعلم.