الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنا لم نطلع على نص في تبشير بعض الأنبياء لآمنة في النوم بأنها تلد سيدهم، وإنما جاء في الطبقات الكبرى لابن سعد أنها أتاها آت، ولم تذكر أنه نبي.
فقد قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي، قال: حدثني علي بن يزيد، عن عبد الله بن وهب بن زمعة، عن أبيه، عن عمته قالت: كنا نسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حملت به آمنة بنت وهب، كانت تقول: ما شعرت أني حملت به، ولا وجدت له ثقلة، كما تجد النساء، إلا أني قد أنكرت رفع حيضي، وربما كانت ترفعني وتعود. وأتاني آت وأنا بين النائم واليقظان، فقال: هل شعرت أنك حملت؟ فكأني أقول: ما أدري، فقال: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة ونبيها، وذلك يوم الاثنين، قالت: فكان مما يقن عندي الحمل..... انتهى.
وهذا الأثر ضعيف؛ لأن في سنده الواقدي، وهو متروك كما قال ابن حجر, وقد أرسلته عمة وهب بن زمعة.
وأما عن النور الذي خرج حتى رأت أمه قصور الشام، فقد ثبت حصول ذلك في رؤيا منامية، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن العرباض ابن سارية، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إني عبد الله في أم الكتاب لخاتم النبيين، وأن آدم لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، وكذلك ترى أمهات النبيين صلوات الله عليهم. ورواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.
وأما في اليقظة عند الولادة، فقد روي في بعض الآثار حصول النور في محيط ولادته، وفي بعضها أنه أضاءت له قصور الشام.
فقد جاء في فتح الباري لابن حجر: ومما ظهر من علامات نبوته عند مولده، وبعده: ما أخرجه الطبراني عن عثمان بن أبي العاص الثقفي، عن أمه أنها حضرت آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما ضربها المخاض قالت: فجعلت أنظر إلى النجوم تدلى حتى أقول لتقعن علي، فلما ولدت خرج منها نور أضاء له البيت والدار، وشاهده حديث العرباض بن سارية، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته، وسأخبركم عن ذلك: إني دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك أمهات النبيين يرين، وإن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نورا أضاءت له قصور الشام. أخرجه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم. وفي حديث أبي أمامة عند أحمد نحوه، وأخرج ابن إسحاق عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه، وقالت: أضاءت له بصرى من أرض الشام ... اهـ.
وأخرج البيهقي والطبراني وأبو نعيم وابن عساكر عن عثمان بن أبي العاص قال: حدثتني أمي أنها شهدت ولادة آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ولدته، قالت: فما شيء أنظر إليه في البيت إلا نور! وإني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى أني لأقول ليقعن علي، فلما وضعت خرج منها نور أضاء له البيت والدار، حتى جعلت لا أرى إلا نورا. اهـ.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن فاطمة بنت عبد الله قالت: حضرت ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت البيت حين وضع قد امتلأ نورا، ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت أنها ستقع علي....
وجاء في البداية والنهاية لابن كثير، بعد ذكره لبعض هذه الآثار: وهذا وذاك يقتضي أنها رأت حين حملت به عليه السلام كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، ثم لما وضعته رأت عيانا تأويل ذلك، كما رأته قبل ذلك هاهنا. والله أعلم. اهـ.
وما تفيده هذه الآثار من ولادته ليلا، ذكره جمع من أهل العلم منهم ابن سيد الناس في (عيون الأثر) والطبري في تاريخه، والماوردي في (أعلام النبوة) والبيهقي في (دلائل النبوة) وابن الجوزي في (المنتظم)، وابن كثير في (السيرة النبوية) والكلاعي في (الاكتفاء). وذكره ابن عبد البر في (الاستيعاب) ابن الأثير في (أسد الغابة) وابن حجر في (الإصابة) ثلاثتهم في ترجمة فاطمة بنت عبد الله أم عثمان بن أبي العاص الثقفي.
وفي هذا خلاف طويل.
قال الصالحي في سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد: الصواب: أنه صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين. روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود عن أبي قتادة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن يوم الاثنين فقال: ذاك يوم ولدت فيه. أو قال أنزل علي فيه ...
قال الحافظ أبو الفضل العراقي في المورد: الصواب أنه صلى الله عليه وسلم ولد في النهار، وهو الذي ذكره أهل السير، وحديث أبي قتادة مصرح به. وروى الأربعة عن سعيد بن المسيب -رحمه الله تعالى- قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إبهار النهار. وجزم به ابن دحية، وصححه الزركشي ... قال ابن دحية: وأما ما روي من تدلي النجوم فضعيف، لاقتضائه أن الولادة كانت ليلا. وقال الزركشي: وهذا لا يصلح أن يكون تعليلا، فإن زمان النبوة صالح للخوارق، ويجوز أن تسقط النجوم نهارا. اهـ.
وأما النقطة الثالثة، فلم نعثر بعد البحث على ذكر لها.
وأما النقطة الرابعة: فقد روى البيهقي والطبري وابن عساكر وابن أبي الدنيا وابن السكن والماوردي عن مخزوم بن هانئ قصة ارتجاج إيوان كسرى، وسقوط شرفاته، ونقلها الطبري وابن حجر وابن كثير والذهبي، وجمع من أهل السير.
وقد خالف في ثبوتها بعض المعاصرين، معللين ذلك بأنه لم يثبت عن المعصوم شيء في هذا، ولم يذكره الفرس في تاريخهم، وراجع الرحيق المختوم، وفقه السيرة للغزالي.
وأما عن نومه: فقد ثبت أنه تنام عيناه ولا ينام قلبه. فقد سئلت عائشة -رضي الله عنها-: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا، فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا، فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا. فقلت: يا رسول الله، أتنام قبل أن توتر؟ قال: يا عائشة، إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي. رواه البخاري.
وأما عن رؤيته لما وراءه، ففي البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل ترون قبلتي ههنا؟ فوالله ما يخفى علي ركوعكم، ولا سجودكم، إني لأراكم من وراء ظهري.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وقد اختلف في معنى ذلك فقيل: المراد بها العلم: إما بأن يوحى إليه كيفية فعلهم، وإما أن يلهم, وفيه نظر; لأن العلم لو كان مرادا، لم يقيده بقوله: من وراء ظهر . وقيل: المراد أنه يرى من عن يمينه، ومن عن يساره ممن تدركه عينه مع التفات يسير في النادر, ويوصف من هو هناك بأنه وراء ظهره, وهذا ظاهر التكلف, وفيه عدول عن الظاهر بلا موجب. والصواب المختار: أنه محمول على ظاهره, وأن هذا الإبصار إدراك حقيقي خاص به صلى الله عليه وسلم، انخرقت له فيه العادة, وعلى هذا عمل المصنف، فأخرج هذا الحديث في علامات النبوة, وكذا نقل عن الإمام أحمد وغيره. انتهى من "فتح الباري لابن حجر".
وهل تشمل تلك المعجزة حال الصلاة وغيرها من الأحوال؟ النص جاء في الصلاة، وأما غيرها من الأحوال، فلم يرد فيه نص، والمسألة محتملة عند بعض العلماء، وعند آخرين أنها خاصة بحال الصلاة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وظاهر الحديث أن ذلك يختص بحالة الصلاة, ويحتمل أن يكون ذلك واقعا في جميع أحواله, وقد نقل ذلك عن مجاهد. انتهى من "فتح الباري لابن حجر".
وقال الملا علي القاري: فإني أراكم من وراء ظهري، لا يلزم دوامها؛ لمنافاته خبر: لا أعلم ما وراء جداري، فيخص هذا بحالة الصلاة، وعلمه بالمصلين. والله أعلم .انتهى بتصرف يسير من "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إنه يراهم من وراء ظهره، وهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم: أنه في هذه الحالة المعينة يرى الناس من وراء ظهره، أما فيما سوى ذلك، فإنه لا يرى من وراء ظهره شيئا. انتهى من "شرح رياض الصالحين"
وأما الحكم، والد مروان، فقد جاء في الاستيعاب في معرفة الأصحاب: الحكم بن أبي العاص، بن أمية، بن عبد شمس، بن عبد مناف، بن قصي القرشي الأموي، عم عثمان بن عفان، وأبو مروان بن الحكم، كان من مسلمة الفتح، وأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة وطرده عنها، فنزل الطائف... واختلف في السبب الموجب لنفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه، فقيل: كان يتحيل، ويستخفي، ويتسمع ما يسره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كبار الصحابة في مشركي قريش، وسائر الكفار والمنافقين، فكان يفشي ذلك عنه، حتى ظهر ذلك عليه، وكان يحكيه في مشيته وبعض حركاته، إلى أمور غيرها كرهت ذكرها، ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى يتكفأ، وكان الحكم بن أبي العاص يحكيه، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم يوما فرآه يفعل ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: فكذلك فلتكن، فكان الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ، فعيره عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، فقال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه:
إن اللعين أبوك فارم عظامه إن ترم ترم مخلجا مجنونا
يمسي خميص البطن من عمل التقى ويظل من عمل الخبيث بطينا
فأما قول عبد الرحمن بن حسان: إن اللعين أبوك، فروي عن عائشة من طرق ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره، أنها قالت لمروان، إذ قال في أخيها عبد الرحمن ما قال: أما أنت يا مروان، فأشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أباك، وأنت في صلبه. وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، حدثنا قاسم، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عثمان بن حكيم، قال: حدثنا شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل عليكم رجل لعين. قال عبد الله: وكنت قد تركت عمرا يلبس ثيابه ليقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أزل مشفقا أن يكون أول من يدخل، فدخل الحكم بن أبي العاص. . اهـ.
وأما عن طوله: ففي البخاري ومسلم عن البراء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير.
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك في وصف النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان ربعة من القوم، ليس بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون ليس بأبيض أمهق، ولا آدم، ليس بجعد قطط.... الحديث, وفيه عن البراء: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها، وأحسنهم خلقا، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير.. الحديث.
وعن الحسن: كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس, ربعة إلى الطول ما هو، بعيد ما بين المنكبين, أسيل الخدين, شديد سواد الشعر, أكحل العينين, أهدب الأشفار.. الحديث. حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير.
قال الملا علي قارئ في جمع الوسائل في شرح الشمائل: والمعنى أنه كان متوسطا بين الطول والقصر، لا زائد الطول ولا القصر، وفي نفي أصل القصر، ونفي الطول البائن لا أصل الطول، إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان مربوعا مائلا إلى الطول، وأنه كان إلى الطول أقرب، كما رواه البيهقي، ولا ينافيه وصفه الآتي بأنه ربعة؛ لأنها أمر نسبي، ويوافقه خبر البراء: كان ربعة، وهو إلى الطول أقرب، وقد ورد عند البيهقي وابن عساكر أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يماشيه أحد من الناس إلا طاله صلى الله عليه وسلم، ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان، فيطولهما، فإذا فارقاه نسب إلى الربعة، وفي خصائص ابن سبع: كان إذا جلس يكون كتفه أعلى من الجالس، قيل: ولعل السر في ذلك أنه لا يتطاول عليه أحد صورة، كما لا يتطاول عليه معنى. اهـ.
وقد ثبت تسبيح الطعام بين يديه صلى الله عليه وسلم، فقد قال ابن مسعود: لقد كنا نسمع تسبيح الطعام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يؤكل. رواه البخاري.
وأما عن ولادته مختونا صلى الله عليه وسلم، ففي ذلك روايات كثيرة، ولكنها كلها ضعيفة وواهية، ذكرها الألباني في (السلسلة الضعيفة 6270) وقد عقد ابن القيم في (زاد المعاد) فصلا في ختانه صلى الله عليه وسلم، فقال: اختلف فيه على ثلاثة أقوال، أحدها: أنه ولد مختونا مسرورا، وروي في ذلك حديث لا يصح، ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في "الموضوعات" وليس فيه حديث ثابت، وليس هذا من خواصه، فإن كثيرا من الناس يولد مختونا .... وقد وقعت هذه المسألة بين رجلين فاضلين، صنف أحدهما مصنفا في أنه ولد مختونا، وأجلب فيه من الأحاديث التي لا خطام لها ولا زمام، وهو كمال الدين بن طلحة، فنقضه عليه كمال الدين بن العديم، وبين فيه أنه صلى الله عليه وسلم ختن على عادة العرب، وكان عموم هذه السنة للعرب قاطبة مغنيا عن نقل معين. اهـ.
وأما عن ظله: فلم نجد فيه حديثا صحيحا، وقد جاء في المواهب اللدنية للقسطلاني وشرحها للزرقاني - عند الكلام على مشي النبي صلى الله عليه وسلم- أنه لم يكن له ظل في شمس ولا قمر، وعلله ابن سبع بأنه كان نورا، وعلله رزين بغلبة أنواره، وقيل: إن الحكمة في ذلك صيانة ظله عن أن يطأه كافر. ونفي أن يكون له ظل، رواه الترمذي الحكيم عن ذكوان مولى عائشة، ورواه ابن المبارك وابن الجوزي عن ابن عباس بلفظ: لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ظل، ولم يقم مع الشمس قط إلا غلب ضوؤه ضوء الشمس، ولم يقم مع سراج قط، إلا غلب ضوء السراج.
وقال ابن سبع: كان صلى الله عليه وسلم نورا، فكان إذا مشى في الشمس أو القمر لا يظهر له ظل، وقال غيره: ويشهد له قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه لما سأل الله أن يجعل في جميع أعضائه وجهاته نورا ختم بقوله: واجعلني نورا، أي والنور لا ظل له، وبه يتم الاستشهاد. اهـ.
وأما عن طيبه، فقد قال أنس: ما شممت ريحا قط، ولا مسكا، ولا عنبرا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد والبخاري.
وفي صحيح مسلم، عن جابر بن سمرة، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله، وخرجت معه، فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا، قال: وأما أنا فمسح خدي، قال: فوجدت ليده بردا، أو ريحا كأنما أخرجها من جؤنة عطار. اهـ.
وفي الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض: يصافح المصافح، فيظل يومه يجد ريحها، ويضع يده على رأس الصبي، فيعرف من بين الصبيان بريحها. اهـ.
وأما عن ابتلاع الأرض لفضلاته صلى الله عليه وسلم، فقد قال الملا علي قارئ في جمع الوسائل في شرح الشمائل: روى الطبراني أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله؛ إني أراك تدخل الخلاء، ثم يأتي الذي بعدك فلا يرى لما يخرج منك أثرا، فقال: يا عائشة، أما علمت أن الله أمر الأرض أن تبتلع ما يخرج من الأنبياء. اهـ.
وقد نقل القسطلاني في المواهب اللدنية عدة آثار فيه، ثم قال: وقد سئل الحافظ عبد الغني المقدسي: هل روي أنه صلى الله عليه وسلم كان ما يخرج منه تبتلعه الأرض؟ فقال: قد روي ذلك من وجه غريب، والظاهر المنقول يؤيده، فإنه لم يذكر عن أحد من الصحابة أنه رآه ولا ذكره، وأما البول فقد شاهده غير واحد, وشربته أم أيمن. انتهى.
وقد اختلف في طهارة فضلاته، فقد ذكر جمع من أهل العلم أن دم النبي صلى الله عليه وسلم طاهر، فقد صرح بذلك جمع منهم النووي في المجموع، والمرداوي في الإنصاف، والحطاب في شرح المختصر، والشيخ زكريا الأنصاري الشافعي، والبهوتي في كشاف القناع، والصالحي في كتابه الهدى والرشاد في سيرة خير العباد.
وفي فتاوى الرملي: (سئل) هل المعتمد نجاسة فضلاته صلى الله عليه وسلم كغيره، كما عليه الجمهور وصححه الشيخان أم لا ؟
( فأجاب) بأن المعتمد طهارتها، كما جزم به البغوي وغيره، وصححه القاضي حسين وغيره، ونقله العمراني عن الخراسانيين، وصححه البارزي والسبكي، والشيخ نجم الدين الإسفراييني وغيرهم، ثم قال البلقيني: وبه الفتوى، وقال ابن الرفعة: إنه الذي أعتقده وألقى الله به، قال الزركشي: وكذا أقول، وينبغي طرده في سائر الأنبياء. اهـ.
وقال الصالحي في كتابه: الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، في الكلام على الخصائص: روى البزار والطبراني والحاكم والبيهقي، بسند حسنه الشيخ عن عبد الله بن الزبير قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني الدم فقال: (اذهب فغيبه) فذهبت فشربته، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: (ما صنعت) قلت: غيبته، قال: (لعلك شربته) قلت: شربته. وروى الحاكم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: شج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فتلقاه أبي فلحس الدم عن وجهه بفمه، وازدرده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سره أن ينظر الى رجل خالط دمه دمي، فلينظر إلى مالك بن سنان).....
وموضوع الدلالة من هذه الأحاديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على ابن الزبير، ولا أم أيمن، ولا من فعل مثل فعلهما، ولا أمرهم بغسل الفم، ولا نهاهم عن العود إلى مثله، ومن حمل ذلك على التداوي، قيل له: قد أخبر صلى الله عليه وسلم: أن الله لم يجعل شفاء أمته فيما حرم عليها. رواه ابن حبان في صحيحه، فلا يصح حمل الأحاديث على ذلك، بل هي ظاهرة في الطهارة. انتهى.
وأما عن عدم اقتراب الذباب من النبي صلى الله عليه وسلم، فلم نجد فيها أثرا ولا كلاما لأهل العلم.
والله أعلم.