السؤال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" وقد استدل كثير من العلماء على أن السفر لا يكون سوى لهذه المساجد، ونعلم أن السفر للعلاج، والعمل، والجهاد جائز، بل مستحب أو واجب، لكن السؤال عن السفر لبلاد الكفار -كتركيا، وأوربا- للسياحة، فإن كثيرا من الناس أصبح "إمعة" كلما سمعوا أن أحدا ذهب إلى هناك قالوا: نريد الذهاب، وليت شعري: ماذا يفعلون هناك سوى تضييع المال في غير فائدة، ولو ذهبوا إلى عمرة، أو تصدقوا بها على فقير، لكان خيرا لهم، فما حكم السفر للسياحة؟ وهل ينطبق عليه الحديث المذكور؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى. رواه البخاري، ومسلم.
معناه: لا يسافر الإنسان إلى مكان بقصد العبادة، والصلاة فيه، إلا هذه المساجد الثلاثة؛ وذلك بخلاف السفر للتجارة، أو العلاج، أو طلب العلم، أو زيارة القريب أو الصديق، أو النزهة، أو غير ذلك من الأسفار الواجبة، أو المندوبة، أو المباحة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قوله: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد يتناول المنع من السفر إلى كل بقعة مقصودة؛ بخلاف السفر للتجارة، وطلب العلم، ونحو ذلك؛ فإن السفر لطلب تلك الحاجة حيث كانت، وكذلك السفر لزيارة الأخ في الله، فإنه هو المقصود حيث كان. اهـ.
ولا شك أن إنفاق المال في العمرة، أو الصدقة على الفقراء، أنفع من إنفاقه في مجرد السياحة، والترويح عن النفس في الجملة، وإلا فقد يترتب على السياحة إجمام للنفس، وتنشيط للعبادة، أو تدبر في ملكوت الله وعجائب خلقه، ويكون ثواب ذلك أعظم بكثير من الصدقة، أو العمرة، وفضل الله واسع.
واعلم -رحمك الله- أن الأصل إباحة وجواز السفر للسياحة، والنزهة، والفرجة، والترويح عن النفس، ولا دليل على تحريمه، ولا على كراهته؛ قال تعالى: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده {الأعراف:32}، والإنسان يستأنس بالسفر، والنظر في البلاد كما يستأنس بمجالسة الأصحاب، ولا يحرم هذا، ولا هذا، وعلى هذا كلام أهل العلم؛ ولهذا قال الزركشي في شرح مختصر الخرقي: والظاهر أن مراد الخرقي بالمباح: الجائز، فيدخل فيه سفر النزهة، والفرجة. اهـ. وقال صاحب منتهى الإرادات: من نوى سفرا مباحا، ولو نزهة أو فرجة... فله قصر رباعية، وفطر. اهـ.
بل قد اختلف أهل العلم في جواز إعطاء المسافر للنزهة من الزكاة، من سهم ابن السبيل، ولو كان محرما لم يجز إعطاؤه، قال ابن قدامة في قسمة الزكاة: وإن كان السفر للنزهة، ففيه وجهان:
أحدهما: يدفع إليه؛ لأنه غير معصية.
والثاني: لا يدفع إليه؛ لأنه لا حاجة به إلى هذا السفر. ويقوى عندي أنه لا يجوز الدفع للسفر إلى غير بلده. اهـ.
وقال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: [(الثامن ابن السبيل) أي: الطريق (وهو من ينشئ سفرا مباحا) من محل الزكاة، فيعطى (ولو) كسوبا، أو كان سفره (لنزهة)؛ لعموم الآية، بخلاف سفر المعصية، لا يعطى فيه قبل التوبة. اهـ.
ولمزيد بيان انظر الفتوى رقم: 260062 والفتاوى المرتبطة بها.
أما السفر إلى بلاد الكفار، أو بلاد المسلمين التي فيها منكرات ظاهرة، فقد صرح بعض أهل العلم بكراهة السفر إليها مطلقا، وأجازها بعضهم بشروط، ولا خلاف في حرمته إذا لم يأمن على نفسه الفتنة، وانظر تفصيل المسألة في الفتوى رقم: 311146.
أما البلاد المسلمة التي فيها منكرات غير ظاهرة، فلا حرج من الذهاب إليها، مع اجتناب مواطن المنكرات.
هذا، ولا نسلم لك أن تركيا دولة كافرة، بل هي دولة مسلمة، حكومتها مسلمة، وشعبها أغلبه مسلم.
والله أعلم.