كيف يكون الشيء مكروهًا لله ومرادًا له؟

0 132

السؤال

الله عز وجل يحب ويرضى على أصناف من الناس، بينما لا يحب ولا ويرضى على أصناف أخرى، مع أن ذلك بمشيئته وإرادته -تعالى- وأنه لو شاء لم يكن ما لا يرضاه؛ فإنه لا يكون في ملكه إلا ما يريد سبحانه، وضحوا لنا ذلك.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فمن عقيدة أهل السنة والجماعة أنه لا يكون شيء في الكون إلا بإذن الله ومشيئته، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فكل ما في الكون من الخير والشر مخلوق لله، مقدر له، ولا يلزم أن يكون يحب جميع ما خلق، بل هو سبحانه يحب الإيمان والمؤمنين، ويرضى عن الذين آمنوا، ويبغض الكفر والكافرين، ولا يرضى لعباده الكفر، وإنما قدر ما لا يرضاه، وأوقع في كونه ما يسخطه؛ وفقا لمراده الكوني، وإن كان فاعله مخالفا لمراده الشرعي؛ لما له في ذلك من الحكمة العظيمة التي يستوجب الحمد عليها سبحانه وتعالى، فهو لا يرضى الكفر، ولا يحب الكافرين، ومع ذلك خلق الكفر والكافرين؛ لما له في ذلك من الحكمة.

فإن كثيرا من العبادات التي يحبها ويرضاها متوقف على وجود الكافرين، كالجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، فهو سبحانه يحب أن يجاهد أولياؤه في سبيله، وأن يتخذ منهم شهداء، فقدر سبحانه وجود الكفر والكافرين مع كونه لا يرضى عنهم؛ لما في وجودهم من الحكمة التي يحبها، والتي هي أعظم من مفسدة وجودهم، يقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: ... لقوله تعالى: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر} [الزمر:7]، لكن يقدر أن يكفروا، ولا يلزم من تقديره الكفر أن يكون راضيا به سبحانه وتعالى، بل يقدره وهو يكرهه ويسخطه، فلا يلزم من إرادته الشيء أن يكون محبوبا له، ولا يلزم من كراهته للشيء أن لا يكون مرادا بالإرادة الكونية، بل هو عز وجل يكره الشيء ويريده بالإرادة الكونية، ويوقع الشيء ولا يرضى عنه، ولا يريده بالإرادة الشرعية.

فإن قلت: كيف يوقع ما لا يرضاه وما لا يحبه؟! وهل أحد يكرهه على أن يوقع ما لا يحبه ولا يرضاه؟!

فالجواب: لا أحد يكرهه على أن يوقع ما لا يحبه ولا يرضاه، وهذا الذي يقع من فعله عز وجل وهو مكروه له، هو مكروه له من وجه، محبوب له من وجه آخر؛ لما يترتب عليه من المصالح العظيمة.

فمثلا، الإيمان محبوب لله، والكفر مكروه له، فأوقع الكفر وهو مكروه له؛ لمصالح عظيمة؛ لأنه لولا وجود الكفر؛ ما عرف الإيمان، ولولا وجود الكفر؛ ما عرف الإنسان قدر نعمة الله عليه بالإيمان، ولولا وجود الكفر؛ ما قام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الناس كلهم يكونون على المعروف، ولولا وجود الكفر؛ ما قام الجهاد، ولولا وجود الكفر لكان خلق النار عبثا؛ لأن النار مثوى الكافرين، ولولا وجود الكفر؛ لكان الناس أمة واحدة، ولم يعرفوا معروفا ولم ينكروا منكرا، وهذا لا شك أنه مخل بالمجتمع الإنساني، لولا وجود الكفر؛ ما عرفت ولاية الله؛ لأن من ولاية الله أن تبغض أعداء الله، وأن تحب أولياء الله.

وكذلك يقال في الصحة والمرض؛ فالصحة محبوبة للإنسان؛ وملائمة له، ورحمة الله تعالى فيها ظاهرة، لكن المرض مكروه للإنسان، وقد يكون عقوبة من الله له، ومع ذلك يوقعه؛ لما في ذلك من المصالح العظيمة.

كم من إنسان إذا أسبغ الله عليه النعمة بالبدن، والمال، والولد، والبيت، والمركوب؛ ترفع ورأى أنه مستغن بما أنعم الله به عليه عن طاعة الله عز وجل؛ كما قال تعالى: {كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} [العلق:6-7]، وهذه مفسدة عظيمة؛ فإذا أراد الله أن يرد هذا الإنسان إلى مكانه، ابتلاه؛ حتى يرجع إلى الله، وشاهد هذا قوله تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} [الروم:41] .

وأنت -أيها الإنسان- إذا فكرت هذا التفكير الصحيح في تقديرات الله عز وجل؛ عرفت ما له سبحانه وتعالى من الحكمة فيما يقدره من خير أو شر، وأن الله سبحانه وتعالى يخلق ما يكرهه ويقدر ما يكرهه لمصالح عظيمة، قد تحيط بها، وقد لا تحيط بها، ويحيط بها غيرك، وقد لا يحيط بها لا أنت ولا غيرك.

فإن قيل: كيف يكون الشيء مكروها لله ومرادا له؟

فالجواب: أنه لا غرابة في ذلك؛ فها هو الدواء المر طعما، الخبيث رائحة يتناوله المريض وهو مرتاح؛ لما يترتب عليه من مصلحة الشفاء، وها هو الأب يمسك بابنه المريض ليكويه الطبيب، وربما كواه هو بنفسه، مع أنه يكره أشد الكره أن يحرق ابنه بالنار. انتهى.

وقد نقلناه بطوله؛ لأنه يزيل عنك الإشكال، ويوضح هذا الأمر تمام الإيضاح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة