ذكر محاسن الكفار ... رؤية شرعية

0 228

السؤال

قال الإمام النووي رحمه الله في ضمن ألفاظ الردة :
" ولو قال معلم الصبيان: اليهود خير من المسلمين بكثير ; لأنهم يقضون حقوق معلمي صبيانهم ، كفر " انتهى من "روضة الطالبين" (10/69) .
وقرأت أن ذكر ما عند الكفار من صفات حسنة جائز إن لم يكن على سبيل المدح والإعجاب .
ولكن أريد شرحا لما قاله الإمام النووي، فهل يدخل في قوله كل قول في تفضيل للكفار على المسلمين ؟ مثلا إن كان شخص كافر يجيد عمله أكثر من شخص مسلم ، وذكرت هذا الأمر لا على سبيل مدح الكافر، فهل تعتبر ردة ؟
قال العلامة أبو الطيب صديق بن حسن البخاري رحمه الله في كتاب "العبرة" (ص 245) :
" وأما من يمدح النصارى ، ويقول إنهم أهل العدل ، أو يحبون العدل ، ويكثر ثناءهم في المجالس ، ويهين ذكر السلطان للمسلمين ، وينسب إلى الكفار النصيفة وعدم الظلم والجور ؛ فحكم المادح أنه فاسق عاص مرتكب لكبيرة ؛ يجب عليه التوبة منها والندم عليها ؛ إذا كان مدحه لذات الكفار من غير ملاحظة الكفر الذي فيهم . فإن مدحهم من حيث صفة الكفر فهو كافر ، لأنه مدح الكفر الذي ذمته جميع الشرائع " . وهل هناك اختلاف بين قول النووي و قول العلامة ؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقبل جوابنا على سؤالك أخي السائل نقول: إنه لا يصلح للشخص المصاب بالوسواس القهري أن يقرأ ويدقق في كلام الفقهاء فيما هو مصاب بالوسوسة فيه؛ لأنه سيزداد وسوسة وحيرة، وينبغي له أن يشغل نفسه بغير ما يوسوس فيه. ولا شك أن الأخ السائل مصاب بوسواس قهري -كما ذكر هو عن نفسه في أسئلة سابقة- وهذا يعلم من أسئلته السابقة أيضا، ولا نرى سؤاله هذا إلا استمرارا لمسلسل الوسوسة ونتيجة حتمية لاسترساله معها، وقد علمنا بالتجربة أن الاسترسال مع الموسوس وإجابته في كل ما يسأل عنه لا يزيده إلا وسوسة، فإذا لم تكف أخي السائل عن الوسوسة وتعرض عنها بالكلية، فإننا نكاد نجزم أنك ستستمر في أسئلتك, ولن يكون سؤالك هذا هو الأخير، ولن يشفيك من تلك الوسوسة, ولو أجبناك عن كل ما تسأل عنه، فاتق الله - أيها السائل - ولا تسترسل وتسلم قيادك لوساوس الشيطان .
وأما الجواب عن سؤالك فإن مجرد ذكر محاسن الكفار - مع بغضهم وبغض ما هم عليه من الكفر - لا يعتبر نفاقا ولا كفرا، وقد روى الإمام أحمد وغيره بسند صحيح عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال عن الروم: إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأسرع الناس كرة بعد فرة، وإنهم لخير الناس لمسكين وفقير وضعيف، وإنهم لأحلم الناس عند فتنة، والرابعة حسنة جميلة: وإنهم لأمنع الناس من ظلم الملوك. قال شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح على شرط الصحيح .
والذي ذكره الإمام النووي في روضة الطالب نقله عن فقهاء الحنفية، ولم يرتضه غيره من فقهاء الشافعية فيما يظهر، فقد قال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب شرح روضة الطالب تعقيبا على كلام الإمام النووي: نقله الأصل عن الحنفية وارتضاه، قال الأذرعي وغيره: والظاهر عدم موافقة أئمتنا لهم فيه؛ لأن المعلم لم يقصد الخير المطلق بل في الإحسان للمعلم ومراعاته ... اهـ .
ومثله ما قاله أبو بكر الحسيني الشافعي "المتوفى سنة 829هـــ" في كتابه كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار قال : وفي التكفير بذلك نظر ظاهر إذ إخراج مسلم عن دينه بلفظة لها محمل صحيح لا سيما عند القرينة الدالة على أن المراد أن معاملة هذا أجود من معاملة هذا لا سيما إذا صرح بأن هذا مراده في لفظ صريح .. اهـ

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة