السؤال
إذا كان هناك أمر، وانقسم العلماء فيه إلى رأيين: فريق يحلله، وفريق يحرمه، فإذا صليت الاستخارة، مع العلم أني أحتاج لرأي الذين يقولون بالحل، ثم مضيت في طريق الذين يقولون بالحل، وتم لي، وتيسر الأمر، فهل أكون مصيبا، ويرضى عني الله؟ فأنا خائف جدا من الله؛ لأن العلماء الذين يقولون بالحرمة، أحترمهم جدا أيضا، وأخاف أن يكون التيسير من الله لي بعد الاستخارة، سببه أن الله يملي لي.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليست الاستخارة طريقا لمعرفة الأحكام الشرعية، وإنما الطريق لمعرفة العامي حكم الشرع في المسائل المختلف فيها، أن يسأل أهل العلم الثقات، فإذا اختلفت فتواهم، فإنه يتحرى ما يغلب على ظنه أنه الحق، إما بالنظر في أدلة كل فتوى، والعمل بأرجحها إن كان يقدر على ذلك، وإما بتقليد الأوثق في نفسه إن كان غير مؤهل للنظر في الأدلة، قال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه: فإن قال قائل: فكيف في المستفتي من العامة إذا أفتاه الرجلان واختلفا، فهل له التقليد؟ قيل: إن كان العامي يتسع عقله، ويكمل فهمه إذا عقل أن يعقل، وإذا فهم أن يفهم، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم، وعن حججهم، فيأخذ بأرجحها عنده، فإن كان له عقل يقصر عن هذا، وفهمه لا يكمل له، وسعه التقليد لأفضلهما عنده. انتهى.
فإذا غلب على ظن العامي أن قولا من الأقوال أولى بالصواب، عمل به من غير حاجة إلى استخارة.
أما إذا تساوت عنده الأقوال، ولم يترجح منها قول، فقيل: إنه يخير، وقيل: يأخذ بالأشد، وقيل: يأخذ بالأيسر، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: ...الإنسان إذا اختلفت عليه الفتوى، فإنه يتبع من يراه أقرب إلى الحق، لغزارة علمه، وقوة إيمانه، كما أن الإنسان إذا كان مريضا ثم اختلف عليه طبيبان، فإنه يأخذ بقول من يرى أنه أرجح لما وصفه له من دواء.
وإن تساوى عنده الأمران، أي: لم يرجح أحد العالمين المختلفين، فقال بعض العلماء: إنه يتبع القول الأشد؛ لأنه أحوط، وقال بعض العلماء: يتبع الأيسر؛ لأنه الأصل في الشريعة الإسلامية، وقيل: يخير بين هذا وهذا.
والراجح: أنه يتبع الأيسر؛ لأن هذا موافق ليسر الدين الإسلامي؛ لقول الله تبارك وتعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
وفي حال تساوت عنده الأقوال ولم يترجح عنده قول في المسألة، فقد يسوغ له حينئذ أن يستخير فيها، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 239518.
والله أعلم.