السؤال
كيف أحمي نفسي من نزغات الشيطان؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالوقاية من نزغات الشيطان تكون أولا بالحذر منه، ودوام استحضار عداوته الراسخة لبني آدم، فمن استشعر أن الشيطان عدوه أخذ حذره منه، وتهيأ لتلك الحرب التي لا تضع أوزارها إلا بمفارقة الروح الجسد، قال تعالى: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير {فاطر:6}.
وأعظم سبيل للحماية من الشيطان هو الالتزام بالكتاب والسنة علما وعملا، فالكتاب والسنة جاءا بالصراط المستقيم، والشيطان يجاهد كي يخرجنا عن هذا الصراط، قال تعالى: وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون {الأنعام:153}.
إن الالتزام بالكتاب والسنة قولا وعملا يطرد الشيطان، ويغيظه أعظم إغاظة، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله، وفي رواية أبي كريب: يا ويلي، أمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت، فلي النار. رواه مسلم.
وخير سبيل للاحتماء من الشيطان وجنده هو الالتجاء إلى الله، والاحتماء بجنابه، والاستعاذة به من الشيطان، فإنه عليه قادر، فإذا أجار عبده فأنى يخلص الشيطان إليه!؟ قال تعالى: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم [الأعراف: 199-200] .
وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من همزات الشياطين، وحضورهم: وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون [المؤمنون: 97-98].
وهمزات الشياطين: نزغاتهم ووساوسهم، فالله يأمرنا بالاستعاذة به من العدو الشيطاني لا محالة؛ إذ لا يقبل مصانعة ولا إحسانا، ولا يبتغي غير هلاك ابن آدم، لشدة العداوة بينه وبين آدم، يقول ابن كثير في تفسيره: والاستعاذة هي الالتجاء إلى الله تعالى، والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر ...
ومعنى (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، أي: أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني، ودنياي، أو يصدني عن فعل ما أمرت به، أو يحثني على فعل ما نهيت عنه، فإن الشيطان لا يكفه عن الإنسان إلا الله؛ ولهذا أمر تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومداراته، بإسداء الجميل إليه؛ ليرده طبعه عما هو فيه من الأذى، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن؛ لأنه لا يقبل رشوة، ولا يؤثر فيه جميل؛ لأنه شرير بالطبع، ولا يكفه عنك إلا الذي خلقه. انتهى.
ومما يستملح هنا ما ذكره ابن الجوزي -رحمه الله- من أنه حكي عن أحد علماء السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سول لك الخطايا؟ قال: أجاهده. قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده. قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده. قال: هذا يطول، أرأيت إن مررت بغنم فنبحك كلبها، أو منعك من العبور ما تصنع؟ قال: أكابده جهدي وأرده، قال: هذا أمر يطول، ولكن استعن بصاحب الغنم يكفه عنك. اهـ.
ومن أعظم ما ينجي من الشيطان ونزغاته لزوم ذكر الله تعالى، وفي الحديث: أن الله أمر نبي الله يحيى أن يأمر بني إسرائيل بخمس خصال، ومن هذه: (وآمركم أن تذكروا الله تعالى، فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعا، حتى إذا أتى إلى حصن حصين، فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله.
يقول ابن القيم: فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة، لكان حقيقا بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى، وأن لا يزال لهجا بذكره، فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة، فهو يرصده، فإذا غفل، وثب عليه وافترسه، وإذا ذكر الله تعالى، انخنس عدو الله، وتصاغر، وانقمع، حتى يكون كالوصع [طائر أصغر من العصفور]، وكالذباب؛ ولهذا سمي (الوسواس الخناس)؛ لأنه يوسوس في صدور الناس، فإذا ذكر الله خنس، أي: كف وانقبض.
وقال ابن عباس: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله تعالى خنس. اهـ.
ويقول ابن القيم: الشياطين قد احتوشت العبد، وهم أعداؤه، فما ظنك برجل قد احتوشه أعداؤه المحنقون عليه غيظا، وأحاطوا به، وكل منهم يناله بما يقدر عليه من الشر والأذى، ولا سبيل إلى تفريق جمعهم عنه إلا بذكر الله عز وجل. انتهى.
ومما يعين على تجنب نزغت الشيطان تخير الرفقة الصالحة، قال الأشقر -رحمه الله-: ومما يبعد المسلم عن الوقوع في أحابيل الشيطان: أن يعيش في ديار الإسلام، ويختار لنفسه الفئة الصالحة التي تعينه على الحق، وتحضه عليه، وتذكره بالخيرات، فإن في الاتحاد والتجمع قوة، وأي قوة، عن ابن عمر قال: خطبنا عمر بالجابية، فقال: يا أيها الناس، إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، فكان مما قال: (عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد..
ومما يواجه به العبد كيد الشيطان، أن يسارع بالتوبة والأوبة إلى الله إذا أغواه الشيطان، وهذا دأب عباد الله الصالحين، قال تعالى: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) [الأعراف: 201]، وقد فسر الطائف بالهم بالذنب، أو إصابة الذنب، وقوله: (تذكروا) أي: عقاب الله، وجزيل ثوابه، ووعده ووعيده، فتابوا، وأنابوا، واستعاذوا بالله، ورجعوا إليه من قريب، (فإذا هم مبصرون) أي: قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه. اهـ.
ولمزيد الفائدة حول هذا الموضوع المهم، يراجع ما كتبه الدكتور عمر الأشقر -رحمه الله- في الفصل الخامس من كتابه النافع: عالم الجن والشياطين.
والله أعلم.