السؤال
شخص كان يكسب مالا فيه شبهة لسنوات طويلة، ومن الله عليه بالتوبة، فقرر التخلص من كل الأموال التي كانت في يده، فما حكم الأموال التي أنفقها قبل التوبة؟ هل تبقى في ذمته، ومن ثم لا بد أن يتصدق بمثلها؟ فقد قرأت فتويين مختلفتين في هذا الأمر، فهناك من يقول: إنه إن كان قد أنفق هذا المال، فلا شيء عليه، وهناك من يقول: إن ما أنفقه يبقى في ذمته، فالرجاء توضيح الرأي الراجح في هذا الأمر، مع ذكر الأدلة.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمجرد الشبهة لا يلزم بسببها التخلص من المال، وإنما يكون ذلك على سبيل الورع، والاحتياط فحسب، قال الغزالي في لزوم الحج على من بيده مال فيه شبهة: فإن كان مال شبهة، فليس بحرام محض, لزمه الحج إن أبقاه في يده؛ لأنه محكوم بأنه ملكه .. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 60374.
وأما لو كان المال مكتسبا كله من حرام، فهنا يفرق بين ما لو كنت جاهلا بالحرمة حين اكتسبته، ومن ثم؛ فلك الانتفاع به، سواء ما أنفقت منه، أم ما بقي عندك في قول بعض أهل العلم، كما بينا في الفتوى رقم: 338506.
وبين ما لو كنت عالما بالحرمة حين اكتسبته، وحينئذ؛ فعليك التخلص منه بدفعه للفقراء والمساكين، والمصالح العامة، سواء ما أنفقته، أم ما بقي عندك، إلا إذا كنت فقيرا محتاجا، فليس عليك رد مثل ما أنفقته، جاء في كتاب المال الحرام، وضوابط الانتفاع والتصرف به في الفقه الإسلامي للدكتور عباس الباز: إن كان الفقير قد أنفق ما أنفقه من مال حرام لحاجته إلى الإنفاق من هذا المال، بحيث كان هذا الإنفاق متعينا: بألا يكون واجدا غيره، وظهرت حاجته إليه, فلا يكون هذا المال في مثل هذه الحالة دينا في ذمته، فلا يلزم برد مثل ما أنفق ... اهـ بتصرف.
بل للفقير حائز المال الحرام، أن ينفق منه على نفسه، وعياله؛ لتحقق شرط استحقاقه فيهم، وهو الفقر، يقول الإمام النووي حاكيا قول الغزالي في المال الحرام: وله هو -أي الفقير- أن يأخذ منه قدر حاجته؛ لأنه أيضا فقير. انتهى.
والله أعلم.