الحكمة في تفضيل بعض الناس على بعض في المواهب

0 111

السؤال

لماذا ليست هناك مساواة بين الناس، فبعضهم عنده مواهب وقدرات عالية، وبعضهم له مواهب وقدرات محدودة وذكاء قليل؟ ولاعبون للكرة يتمتعون بشهرة ويحصدون الأموال وشباب لا يجدون لقمة عيش.... وهذا حديث قتيبة أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم فقال وما ذاك؟ قالوا يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة، قال أبو صالح فرجع: فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فضل الله يؤته من يشاء... والله فضل بعضكم على بعض في الرزق.. {النحل: 71} أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون {الزخرف: 32 }وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم { الأنعام: 165}.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فحاصل سؤالك هذا جزئية واحدة، وهي لماذا فضل الله بعض الخلق على بعض، ولماذا فاوت بينهم في العطاء؟ وهذا سؤال لا يليق صدوره ممن يؤمن بالله وصفاته، فإن كل مسلم يجب عليه الإيمان بأن الله حكيم يضع الأشياء في مواضعها ويوقعها في مواقعها، فهو سبحانه إنما يعطي ويمنع على مقتضى الحكمة، وكل أفعاله تعالى دائرة مع الحكمة والمصلحة، وهو سبحانه كما قال عن نفسه: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون {الأنبياء:23}.

فهو لا يسأله عباده عن أفعاله لكمال حكمته، ونحن عقولنا قاصرة لا تدرك كل أسرار الله في خلقه، ولكننا نؤمن ونقطع بأن من أعطاه الله فإنما أعطاه لاقتضاء الحكمة ذلك، ومن منعه فلاقتضاء الحكمة ذلك، وليس للعباد أن يتهموا الله في قضائه وقدره، بل عليهم أن يسلموا لحكمه ويرضوا بتدبيره، ومن ظن الجاهلية بالله أن يظن الشخص أن الأقدار جرت على خلاف ما ينبغي، وأنه كان يجب أن يعطى من منع أو يمنع من أعطي وهكذا، يقول ابن القيم رحمه الله: وكل مبطل وكافر ومبتدع مقهور مستذل، فهو يظن بربه هذا الظن وأنه أولى بالنصر والظفر والعلو من خصومه، فأكثر الخلق بل كلهم إلا من شاء الله يظنون بالله غير الحق ظن السوء، فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق ناقص الحظ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله ولسان حاله يقول: ظلمني ربي ومنعني ما أستحقه، ونفسه تشهد عليه بذلك، وهو بلسانه ينكره، ولا يتجاسر على التصريح به، ومن فتش نفسه وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها رأى ذلك فيها كامنا كمون النار في الزناد، فاقدح زناد من شئت ينبئك شراره عما في زناده، ولو فتشت من فتشته لرأيت عنده تعتبا على القدر وملامة له واقتراحا عليه خلاف ما جرى به، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك هل أنت سالم من ذلك، فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة... وإلا فإني لا إخالك ناجيا فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع، وليتب إلى الله تعالى، وليستغفره كل وقت من ظنه بربه ظن السوء، وليظن السوء بنفسه التي هي مأوى كل سوء، ومنبع كل شر المركبة على الجهل والظلم، فهي أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين وأعدل العادلين وأرحم الراحمين، الغني الحميد الذي له الغنى التام والحمد التام والحكمة التامة، المنزه عن كل سوء في ذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه، فذاته لها الكمال المطلق من كل وجه، وصفاته كذلك، وأفعاله كذلك، كلها حكمة ومصلحة ورحمة وعدل، وأسماؤه كلها حسنى.انتهى.

فارجع إلى ربك وتب إليه وآمن بحكمته وعدله في قضائه وحسن تدبيره لخلقه، واعلم أن العباد لا يستحقون عليه شيئا أصلا، فإن أعطاهم ففضل، وإن منعهم فعدل، وله الحمد على جميع ما يقدره ويقضيه، وإنما الواجب على العباد أن يعملوا على مقتضى العبودية، ويتقربوا إلى الله بما وسعهم التقرب به أغنياء كانوا أو فقراء، رؤساء كانوا أو مرؤوسين، فعلى العبد أن يتعرف ما أوجبه الله عليه وأمره به فيتبع شرعه عالما أن السعادة كل السعادة في ذلك، فهذا جواب مجمل عن جميع ما طرحته في سؤالك، وإلا فإن الاسترسال في جواب كل جزئية أوردتها يطول بنا جدا، وفي هذا القدر كفاية للعاقل اللبيب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة