السؤال
أنا أتبع منهجا عاما في التقليد: أبحث في المسألة عن مذهب ابن تيمية، فإن لم أجده تحدث فيها، أو تحدث فيها ولم أجد قوله، وأكرر الأمر نفسه بالبحث عن أقوال شيخنا ابن عثيمين، وإن لم أجد شيئا، أبحث في موقعكم عنها، وأراسلكم بما يعرض لي من أمور، فهل هذا المنهج منهج سوي، أم فيه خلل؟ وأحاول أيضا البحث في هذه المسائل عن خلاف العلماء فيها، وقد قرأت في مسألة التقليد والاجتهاد، ورأيت العلماء قد أطالوا الكلام في المسألة، وشرحوها شرحا وافيا، وقد علمت أن كثيرا من العلماء يقولون بجواز استفتاء عالم في مسألة، وبعدها تقليد عالم آخر في مسألة أخرى، ولا يجب التمذهب بمذهب معين، وإذا اختلف العلماء فإن كنت أهلا للاجتهاد، أو النظر في الأدلة والترجيح بين الأقوال، فهذا يلزمني، وأنا عامي لا أقدر على الاجتهاد ، وليس عندي من العلم ما يجعلني قادرا على الترجيح، فقرأت أن العلماء اختلفوا في ذلك، وكثير منهم على اتباع الأوثق والأعلم والأورع بالنسبة للشخص، وألزم نفسي أمام الله باتباع المنهج الذي ذكرته لكم، وأحرص أيضا على البحث في أقوال العلماء، فأحيانا أقرأ أن أبا بكر، أو عمر، أو غيرهما من الصحابة والتابعين ـ وهم لهم من الفضل، والمكانة، والعلم ما لهم ـ يقولون برأي مخالف للرأي الذي أتبعه، ولا شك أن هؤلاء مقدمون على من سواهم في العلم، والمنزلة، والمكانة، والثقة، فهل يكون منهجي خطأ في هذا الحال؛ لأنني لم أتبع قول الأوثق، والأورع من الصحابة؟ وأعلم أن شيخ الإسلام ابن تيمية له من العلم، والتقى ما يشهد له به كل منصف عاقل، وأنا أضعه في المنزلة الأولى بعد الصحابة، والتابعين في علمه، وفضله، فالصحابة، والتابعون لهم أعلى فضل، ومكانة بين المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفس الأمر بالنسبة لشيخنا ابن عثيمين، فهو شيخ عالم جليل، له إسهاماته، ومكانته، وفضله بين العلماء، ولكن هناك علماء كبار -مثل أئمتنا الأربعة، وابن القيم، وغيرهم- وأرى أنه من الخطأ أن أظن أن علماء كهؤلاء أقل علما من شيخي ابن عثيمين مع تقديري له، ونفس الأمر بالنسبة لكم، وأراكم من أهل العلم المشهود لهم، فهل يلزمني أن أقوم بترتيب العلماء: الأوثق فالأوثق؟ وإذا لم أجد هذه المسألة عند الأوثق، أبحث عنها عند من يليه، وهكذا؟ وما تفسير قول شيخنا ابن تيمية: فإذا ترجح عند المستفتي أحد القولين: إما لرجحان دليله ـ بحسب تمييزه ـ وإما لكون قائله أعلم، وأورع، فله ذلك، وإن خالف قوله المذهب؟ وهل يقصد بذلك التأكيد على ما قلته: إنه يجب سؤال الأوثق، والأخذ برأيه، وإن كان خلاف قول المذهب؟ وهل باطلاعي على أقوال العلماء -كما أوضحت لكم- أكون آثما بما قلدته من أقوال على هذا المنهج إن كان منهجا فاسدا؟ وهذه المسألة تمثل إشكالا بالنسبة لي فعلا، وأواجه بسببها أزمة كبيرة.