السؤال
كنت في المسجد وحصلت مشادة كلامية مع أحد المحاضرين حيث إنه يدعو الناس إلى زواج بناتهم بأقصى ما يمكن اقتداء بأم المؤمنين عائشة حتى ولو عمرها 8-9 سنوات خشية الوقوع في أمور كثيرة وأنا لي أبنة ما زالت في الثامنة من العمر فلم أستطع قبول هذا الأمر فهل أنا على صواب أم لا؟ أرجو التوضيح.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فما ذكره أحد المحاضرين صحيح؛ إذ قد ثبتت مشروعية الزواج المبكر بالقرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع وعمل الصحابة، ثم عمل المسلمين من بعدهم، وتدل عليه مصالح الشريعة: فالدليل من القرآن الكريم: 1- قوله تعالى: واللآئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللآئي لم يحضن[الطلاق:]. فجعل سبحانه للآئي لم يحضن - وهن الصغيرات - زواجا وطلاقا وعدة؛ إذ العدة لا تكون إلا بعد فراق، والفراق لا يكون إلا بعد زواج. 2- ويقول الله تعالى: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع[النساء:3]. قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في تفسير هذه الآية عندما سألها عنها ابن أختها عروة بن الزبير : يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها، تشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق. متفق عليه. فقولها رضي الله عنها: فيريد أن يتزوجها..فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا يدل على مشروعية زواج الصغيرة التي لم تبلغ، إذ لا يتم بعد البلوغ، وإنما اليتم ما كان قبل البلوغ. 3- ويقول الله تعالى: ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللآتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن [النساء:]. قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: هي اليتيمة تكون في حجر الرجل قد شركته في ماله فيرغب عنها أن يتزوجها ويكره أن يزوجها غيره، فيدخل عليه في ماله فيحبسها، فنهاهم الله عن ذلك. متفق عليه. وأما الدليل من السنة: فما ذكره المحاضر من زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها، وهي بنت ست سنين، وبناؤه بها وهي بنت تسع سنين، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة ست، وبنى بي وأنا ابنة تسع. وأما الإجماع: فقد نقله كثير من أهل العلم على جواز تزويج الصغيرة البالغة، وأن الذي يتولى تزويجها أبوها، وزاد الشافعي وآخرون الجد من جهة الأب أيضا. قال ابن قدامة في "المغني": أما البكر الصغيرة فلا خلاف فيها، قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفء، ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها. وقال البغوي كما في "فتح الباري": أجمع العلماء أنه يجوز للآباء تزويج الصغار من بناتهم، وإن كن في المهد، إلا أنه لا يجوز لأزواجهن البناء بهن إلا إذا صلحن للوطء واحتملن الرجال. وأما أعمال الصحابة: فالآثار الدالة على اشتهار الزواج المبكر بينهم من غير نكير كثيرة، فلم يكن ذلك خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم كما يتوهمه بعض الناس، بل هو عام له ولأمته، نذكر طرفا منها: 1- زوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد ولدت له قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم، وتزوجها عمر رضي الله عنه وهي صغيرة لم تبلغ بعد. رواه عبد الرزاق في المصنف، و ابن سعد في "الطبقات". 2- عن عروة بن الزبير : أن الزبير رضي الله عنه زوج ابنة له صغيرة حين ولدت رواه سعيد بن منصور في سننه، وابن أبي شيبة في المصنف بإسناد صحيح. وقال الشافعي في "كتاب الأم": وزوج غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته صغيرة. ثم إن التأخير في تزويج البنات في كثير من بلاد المسلمين إنما هو حادث ومخالف لما درج عليه عمل المسلمين لقرون طويلة، بسبب التغريب، ودخول القوانين الوضعية عليهم، مما أدى إلى تغير في المفاهيم والأعراف لدى شريحة كبيرة من الناس، ولا يصح مطلقا أن نجعل الأعراف والتقاليد في بلد ما هي المقياس فنقيس بها، ونعطل ما قد ثبت بالأدلة القاطعة، بل لقد تأخر تزويج البنات بعد سن البلوغ كثيرا في بعض بلاد المسلمين، مما نتج عنه انتشار السفور والفواحش، وظهور الانحراف في الخلق والدين بين الشباب، وعدم الاستقرار النفسي لديهم، لفقدهم السكن والمودة والعفة والإحصان، كما أن في التأخير تقليلا لنسل الأمة، وهو مخالف لأمره صلى الله عليه وسلم، ومعارض لمكاثرته بأمته الأمم والأنبياء. وللفائدة راجع الفتوى رقم: 195133 . والله أعلم.