حكم الزواج دون ولي ولا شهود على مذهب الأحناف وهل يلحقه الطلاق؟

0 118

السؤال

أنا فتاة مسلمة، كنت على مذهب أهل البدع، وهداني الله -على يد رجل مؤمن موحد- إلى المذهب الحنفي، وبعد فترة طلبني للزواج، ولوجود فوارق اجتماعية كبيرة بيننا؛ لاختلاف المذاهب، ولأنه متزوج، ومقعد على كرسي متحرك، وأنا أستاذة جامعية، وافقت على الزواج منه سرا، وجرى العقد بيننا عن طريق الهاتف، بدون موافقة ولي، وبدون شهود من طرفه، ولأنه أكثر فهما مني لمواضيع الشرع، وثقت برأيه، واستمرت بيننا العلاقة الزوجية على المكالمات الهاتفية، والصور، والفيديوهات، ولقاءات في السيارة، وتعلقت به جدا، وأخلصت له، وقد كان حريصا جدا على تعليمي الشرع، ومتابعتي في الصلاة، والقرآن، والأذكار، والدين الصحيح.
وقد استفتى عالم دين عن وضعنا، وقال له: إن زواجنا صحيح، لكن لا تجري عليه الأحكام العامة للزواج، ومنها أحكام الطلاق، ولأنه حريص على التزامي، كان دائم التهديد لي بالانفصال في حال عدم التزامي بأحد تعاليم الشرع، أو حياتنا الزوجية، وجرى بيننا طلاق واحد في هذه الفترة، بعدها اطلعت أنا على فتوى لصالح الفوزان قال فيها: إن الزواج بلا شهود باطل، وكان منه أن أطلع بعض أصدقائه وأقاربه ممن يثق بهم على موضوع زواجنا، واعتبرهم شهودا، وبعد هذا الوضع التقينا في بيته عشر مرات تقريبا كزوج وزوجة، ماعدا فض البكارة، وأثناء النهار؛ لعدم علم أهلي بزواجي به، رغم اطلاعي أخواتي على نيتنا بترتيب وضعنا لغرض الزواج، وخلال هذه الفترة طلقني مرتين بغضبه على الدين؛ لعدم التزامي ببعض أمور الدين والدنيا، ولم نفترق في كل طلاق أكثر من أيام، وعدنا لبعض لشدة تعلقنا ببعض، واستمر بنا الحال على نفس الوضع لمدة سبع سنين، وقبل أيام وأثناء كلامنا بالهاتف تشاجرنا بخصوص أمر، وقلت له: إنني لا أحتمل أن يعاملني بهذا الشكل، فقال: أنت طالق.
آسفة على الإطالة، لكني أخاف الله، وكنت مطيعة جدا له كزوج، رغم صعوبة وضعي، وعدم علم أهلي بتغير مذهبي، وبزواجي، وكنت أعاني الأمرين طول هذه السنوات، ووقفت إلى جانبه ماديا ومعنويا؛ لأنه مريض بنزف الدم الوراثي، وهو بالمثل أحبني وأخلص لي، وتابعني، وحرص علي.
أفتوني في أمري -يرحمكم الله- وهل حصل بيننا فراق دائم؟ هل بنت منه بينونة كبرى؟ كيف أستمر بالتعامل معه؟ أنا في حيرة من أمري، وخوف شديد من الله وحسابه، وسألتزم بكل ما يصدر منكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فإننا نهنئك أولا على ما من الله تبارك وتعالى به عليك من نعمة الهداية إلى الحق القويم، والصراط المستقيم، ونسأله أن يثبتك بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وفي الآخرة.

ونوصيك بالحرص على العلم النافع، والعمل الصالح، وحضور مجالس الخير، وصحبة النساء الصالحات.

ومن أهم أركان النكاح أن يكون بإذن الولي، والشهود، ولمعرفة شروط صحة النكاح، راجعي الفتوى رقم: 1766.

وإن كان العقد قد تم بناء على المذهب الحنفي، فالحنفية يجيزون للمرأة البالغة الرشيدة، تزويج نفسها، فلا إشكال من هذه الجهة، ولكن يجب عندهم الإشهاد عند العقد، وهو مذهب الجمهور. 

وبناء عليه؛ يكون هذا النكاح فاسدا؛ لاختلال شرط الشهود فيه، وقد نص الفقهاء على أن هذا النوع من النكاح - بعد الدخول - تترتب عليه آثار النكاح الصحيح، ومن ذلك أنه يقع فيه الطلاق، وانظري الفتويين: 22652، 161725.

 فالطلقات الثلاث قد أبانتك من هذا الرجل بينونة كبرى، فلا تحلين له من بعد حتى تنكحي زوجا غيره، نكاح رغبة، ثم يفارقك؛ لقوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون {البقرة:230}.

ونوصيك بتعليق رجائك بالله، وسؤاله أن يرزقك الزوج الصالح، فما خاب من علق رجاءه بالله تعالى.

هذا مع العلم بأن المرأة يجوز لها شرعا البحث عن الأزواج، وعرض نفسها على الأكفاء في حدود الأدب الشرعي، كما بيناه في الفتوى رقم: 18430.

وإن لم يوجد من أوليائك من هو أهل لتزويجك، فارفعي أمرك إلى القاضي الشرعي، فقد جاء في الحديث: السلطان ولي من لا ولي له. رواه أبو داود، وابن ماجه عن عائشة -رضي الله عنها-.

وننبه إلى أن الواجب على من يجهل حكما شرعيا سؤال أهل العلم قبل الإقدام على العمل؛ عملا بقوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون {النحل:43}.

قال القرطبي في تفسيره: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها؛ لعدم أهليته، فيما لا يعلمه من أمر دينه، ويحتاج إليه: أن يقصد أعلم من في زمانه، وبلده، فيسأله عن نازلته، فيمتثل فيها فتواه؛ لقوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون {النحل:43}، وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه، حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات