السؤال
منذ مدة وأنا أدعو الله سبحانه وتعالى دعوة تمناها قلبي، ولم أترك شيئا إلا فعلته في سبيل الله من أجل أن يستجيب، فكم بكيت، وألححت على الله في جميع صلواتي، وفي كل أوقات الاستجابة حتى تعلقت بتلك الأمنية، وأصبحت محور حياتي كلها، ومن كثرة دعائي أيقنت أن الله سيستجيب لي، وإذا بي أصدم أن الله لم يستجب لي تلك الدعوة التي تمنيت، وبت أردد في نفسي: إنا لله وإنا إليه راجعون، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، فهل أخطأت في شيء؟ وهل لم أقم بدعاء الله بما فيه الكفاية؟ وما الخطأ الذي ارتكبته؟ وهل إن دعوت الله بأن ألقاه: يعني أن أموت وألقاه، سيستجيب لي؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: أنا عند ظن عبدي بي. رواه البخاري، ومسلم.
فعلى العبد أن يحسن الظن بربه، ولو منعه حاجة كان يرجوها، فإن في بعض المنع نعمة، وفي بعض العطاء نقمة، وقد قال تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون {البقرة: 216}.
قال شمس الدين المنبجي في كتابه: تسلية أهل المصائب: ولا بد أن يعلم المصاب أن الذي ابتلاه بمصيبته، أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأنه سبحانه لم يرسل البلاء ليهلكه به، ولا ليعذبه، ولا ليجتاحه، وإنما افتقده به؛ ليمتحن صبره، ورضاه عنه، وإيمانه، وليسمع تضرعه وابتهاله، وليراه طريحا على بابه، لائذا بجنابه، مكسور القلب بين يديه، رافعا قصص الشكوى إليه. انتهى.
وراجعي الفتوى رقم: 96876، وفيها: وسائل استجلاب حسن الظن بالله.
بل عدم تحقق مطلوبك قد يكون لطفا من الله بك، فأحسني الظن بالله، فالله لطيف بعباده، قال الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ في تفسير أسماء الله الحسنى: ومن لطفه بعبده ووليه الذي يريد أن يتم عليه إحسانه، ويشمله بكرمه، ويرقيه إلى المنازل العالية، فييسره لليسرى، ويجنبه العسرى، ويجري عليه من أصناف المحن التي يكرهها، وتشق عليه، وهي عين صلاحه، والطريق إلى سعادته، كما امتحن الأنبياء بأذى قومهم، وبالجهاد في سبيله، وكما ذكر الله عن يوسف -عليه السلام- وكيف ترقت به الأحوال، ولطف الله به، وله، بما قدره عليه من تلك الأحوال، التي حصلت له في عاقبتها حسن العقبى في الدنيا والآخرة، وكما يمتحن أولياءه بما يكرهونه؛ لينيلهم ما يحبون، وكم لله من لطف، وكرم لا تدركه الأفهام، ولا تتصوره الأوهام! وكم استشرف العبد على مطلوب من مطالب الدنيا من ولاية، ورياسة، أو سبب من الأسباب المحبوبة، فيصرفه الله عنها، ويصرفها عنه رحمة به؛ لئلا تضره في دينه، فيظل العبد حزينا من جهله، وعدم معرفته بربه، ولو علم ما ادخر له في الغيب، وأريد إصلاحه؛ لحمد الله وشكره على ذلك، فإن الله بعباده رؤوف رحيم، لطيف بأوليائه. انتهى.
ويتبين مما سبق أنه لا يلزم من عدم تحقق مطلوبك أنك أخطأت في شيء ما، وإن كان ذلك قد يكون واردا بسبب المعاصي، فإنها سبب كل بلاء، فعلى العبد أن يحسن الظن بربه، وأن يسيء الظن بنفسه، وراجعي الفتوى رقم: 329452، وهي بعنوان: الحكمة من استجابة الدعاء أو عدم الإجابة.
وأما الدعاء بالموت: فمنهي عنه، ومن كان لا بد داعيا به، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي.
وقال صلى الله عليه وسلم: ولا يتمنين أحدكم الموت: إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب.
وراجعي لذلك الفتويين رقم: 165073، ورقم: 188093.
والله أعلم.