السؤال
قمت بإجراء امتحانات مدة أسبوع، ومنذ بداية اليوم الأول لم أغش بالرغم من طلبة يقولون لي أعطنا الإجابة، فأنا أكره الغش، وأعلم أنه حرام، لكنني في اليوم الأخير عند دخولي إلى قاعة الامتحان وجدت من كتب في الجدران في القاعة التي امتحنت فيها بخط كبير بعض القوانين التي تخص تلك المادة التي نمتحن فيها، وذلك الخط المكتوب في الجدار بصورة كبيرة كل من في القسم يراه حتى الأساتذة الذين كانوا يحرضوننا على عدم الغش لم يقوموا بحذفه، علما بأنني لم أقم بالكتابة على الجدران، لأنني أكره الغش، ودخلت إلى جميع الامتحانات بنية عدم الغش، فما حكم النظر إلى تلك الكتابات المكتوبة على الجدران بخط كبير؟ وما حكم من نظر إليها ظنا منه أن ذلك ليس من الغش، لأنه لم يساهم في كتابة القوانين في الجدار؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالذي يظهر لنا أن الطالب الذي رأى هذه الكتابات على الجدار، وعلم أنها تتعلق بموضوع المادة التي يمتحن فيها، أنه لا يجوز له تعمد النظر إليها ليعرف منها ما يجهله، لأن هذا لا يخرج عن معنى الغش والتشبع في إجابته بما لم يعط.
وأما من كان لا يعرف محتوى هذه الكتابات فنظر إليها فاستفاد منها شيئا دون أن يتعمد الغش، فالأمر في حقه أيسر وأقرب، ولا نرى أنه يحرم عليه كتابة الجواب المستفاد من هذه الكتابة، وإن كان الأورع والأفضل ألا يكتب إلا ما كان يعرفه بنفسه، لأن المسألة محل احتمال وتردد، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين في لقاءات الباب المفتوح: كنا في الامتحان، فجاءنا المدرس، وأخبرنا بإجابة سؤال، فما أدري هل هذا يدخل في الغش أم لا؟ فأجاب: إذا جاءك المدرس وأنت في الامتحانات وأخبرك بالجواب، فالواجب عليك أن ترفع أمره إلى الإدارة من أجل أن تؤدبه، لأن هذا في الحقيقة أضاع الأمانة التي حملها، ولكن هل يجوز لك أن تأخذ بما قال؟ إن كنت تدري أن هذا الجواب من الأصل، فلا بأس، وليس فيه إشكال، لأنك اعتمدت على معلوماتك، وإن كنت لا تدري فأنا أتردد في هذا، قد أقول: إنه جائز، لأن هذا رزق ساقه الله إليك، وقد أقول: إنه ليس بجائز، لأنه مبني على غش، فهذه أتوقف فيها، لكن المهم أن هذا الرجل يجب أن يرفع أمره إلى الإدارة ليأخذ جزاءه. اهـ.
وقد صرح الشيخ في موضع آخر بالجواز في حال عدم التعمد للغش، حيث تعرض في اللقاء الشهري لبيان شروط تفطير المفطرات: أن يكون عالما، ذاكرا، عامدا، ثم قال: قال الرسول عليه الصلاة والسلام في نفس المسألة: من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه ـ اللهم لك الحمد: فليتم صومه ـ إشارة إلى أن الصوم لم يحصل فيه نقص ولا فساد، ثم بين الحكمة والسبب، فقال: إنما أطعمه الله وسقاه ـ لأنه لم يتعمد. اهـ.
ثم قال الشيخ: يقولون: الشيء بالشيء يذكر، قال أحد التلاميذ وهو في قاعة الاختبار: إنه يكتب الجواب فسمع شخصا يعلم تلميذا إلى جانبه بالجواب، يسأل هذا التلميذ ويقول: هل يجوز أن أكتب الجواب وأنا سمعته؟ نعيد السؤال: تلميذ على الماسة يكتب الجواب ولا يريد الغش بأي حال من الأحوال، لكنه سمع شخصا يقول لجاره: الجواب كذا وكذا، والجواب صحيح، فهل يجوز أن ينقل الجواب أم لا يجوز؟ نقول: إنما علمه الله، هذا رزق جاء بدون تعب، فلا حرج أن يكتب الجواب، حتى لو فرض أنه لم يكن يعرفه فيكتبه، لأنه ما حاول الغش ولا غش. اهـ.
ولا يخفى أن ما يلقى في السمع دون قصد ولا سعي، يختلف عن تعمد النظر إلى جدار كتب عليه ما يتعلق بموضوع الامتحان، ولذلك فرقنا في أمر النظر بين التعمد وعدمه.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء هذا السؤال: هل إملاء المدرسين الإجابة للطلبة في وقت الامتحان حلال أم لا، وهل هذا يسمى غشا مع ذكر الدليل؟ فأجابت: إملاء المراقبين الأجوبة على الطلاب في الاختبار من الغش والخيانة، وفيه مفسدة للأخلاق، ومضرة للأمة في نهضتها الثقافية، وهبوط في مستوى التعليم، وضعف في تحمل المسئولية، والقيام بواجبها وذلك حرام كسائر أنواع الغش، لعموم حديث: من غشنا فليس منا. اهـ.
والله أعلم.