السؤال
رجل احتاج لنقود، فقام ببيع سيارته لزوجته عبر شركة إسلامية، علما بأن الهدف هو الحصول على نقود، فما الحكم الشرعي؟
رجل احتاج لنقود، فقام ببيع سيارته لزوجته عبر شركة إسلامية، علما بأن الهدف هو الحصول على نقود، فما الحكم الشرعي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المعاملة غير جائزة، لأنها تحايل على الاقتراض بفائدة، وإنما أدخلت الزوجة والسيارة حيلة للتوصل إلى استحلال المحرم، والأصل في هذا أن الأعمال بالنيات، وأن كل معاملة يقصد منها أخذ نقود بنقود أكثر منها على أجل، فهي معاملة ربوية فاسدة.
وقد أوضح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه -رحمه الله- فقال:فمتى كان مقصود المتعامل دراهم بدراهم إلى أجل، فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. ثم ساق أحاديث تبين هذا. ثم قال: وهذه الأحاديث وغيرها تبين أن ما تواطأ عليه الرجلان بما يقصدان دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل فإنه ربا... وصورة التواطؤ واضحة في هذه المعاملة.
فالواجب الحذر من هذه المعاملة، والمبادرة إلى التوبة منها، فقد جمعت ربا وتحايلا وكلاهما خطير.
أما الربا فقد حذر الله تعالى منه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع المسلمون على تحريمه، قال تعالى: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم [البقرة:275، 276]. يعني لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم المخبل المجنون الذي يصرعه الشيطان. هكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره.
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء. واللعن: الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى.
وفي صحيح البخاري من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في منامه نهرا من دم فيه رجل قائم، وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رماه الرجل الذي على شط النهر بحجر في فمه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رماه الذي على شط النهر بحجر فيرجع كما كان. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الرجل الذي في نهر الدم؟ فقيل: آكل الربا.
أما التحايل على الربا، فإنه لا يحل الحرام، ولا يسقط الواجب، بل يزيد المحرم حرمة، حيث تحصل به مفسدة الحرام مع مفسدة الخداع والتحايل، ولهذا قال بعض السلف في المتحايلين: يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، لو أتوا الأمر على وجهه لكان أهون. فمن تاب تاب الله عليه، قال تعالى: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم [المائدة:39].
ومن تمام التوبة أنه إذا أمكن الرجوع في هذه المعاملة بأن يرد الرجل المبلغ الذي أخذه ثمنا للسيارة على الشركة، ويعفى من الفرق بين هذا الثمن والثمن الذي باعت به الشركة للزوجة، وجب هذا الرجوع لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون [البقرة:278، 279]. وإن لم يمكن الرجوع على هذا النحو، فلا يلزمه إلا التوبة.
ونسأل الله أن يرزقه، وأن يغنيه بحلاله، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.