ضابط الهزل والاستهزاء المخرج من الملة

0 164

السؤال

بداية أنا فتاة مصابة بالوسوسة، وأرجو أن تتسع صدوركم لأسئلتي، مع الدعاء لي، ولقرابتي بالشفاء والهداية.
وسؤالي عن أمر أرقني وهو وسواس العقيدة، وبالتحديد وسواس الاستهزاء بالدين، حيث إني أخاف من هذا الأمر كثيرا؛ لأنه يخرج من الملة.
1- ما الضابط في الاستهزاء كيف أعرف إن كان هذا القول يعد استهزاء أم لا؟ علما أني قرأت كثيرا عن هذا الأمر، ولا زال يلتبس علي.
2- إذا قلت إن التفليجة في الأسنان تجعل الشخص غبيا "وأنا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفلج الأسنان" لكن لم أقصد شخصه الكريم. فهل هذا من الاستهزاء بالنبي؟ وغير ذلك من الصفات مثل: أكره البشرة البيضاء على الرجال، والمعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان أبيض البشرة؟
3- كثير من العامة يضحكون ويستنكرون على من يضع الكحل من الرجال، وأحيانا يقولون هذا من فعل أهل البادية، وينسون أنه صلى الله عليه وسلم كان يكتحل بالإثمد، ويأمر به. فهل عليهم شيء؟ وأنا لا أستطيع أن أنكر عليهم، فمرة أخشى أن يكون مجرد وسوسة، ومرة أخشى أن يقولوا متشددة، فأقع في ورطة مثل أن أقول:"حصل هذا بسبب الدين "وتزيد وسوستي. أو أن أوافقهم منعا للإحراج.
4- ذات مرة أختي قالت: سأرتدي الكعب العالي؛ لأني لست طفلة، وهي لا تعلم أن بعض العلماء أفتوا بحرمته، أو كراهته، وقد قرأت في حديث أن امرأة من بني إسرائيل اتخذت لها نعلين من خشب لتكون طويلة بهما، فهل إن وافقتها بأن من لا ترتدي الكعب تبدو كالطفلة، أكون قد استهزأت بالدين؟ وهل علي أن أخبر أختي بالحكم؟ لأني أخشى أن تزيد وسوستها فهي أيضا توسوس في كلامها؟
في النهاية إن كانت هذه التصرفات تعد استهزاء، فأنا مصابة بالوسوسة بغض النظر عما ذكرت، فأريد نصيحة عامة، الأمر جعلني أخسر ديني ودنياي، أنا أخسر دراستي، وصلاتي، وقلت شهيتي للأكل، فيمر علي اليوم تقريبا لا آكل شيئا، ولقد رأيت مقطعا لرجل يحترق لعلي أتعظ، فأنا بعد الوسوسة أصابني تهاون فظيع، والآن أنا خائفة جدا من دخول النار؛ لأن المقطع كان فظيعا، ونار الآخرة أشد.
ادعوا لي من قلوبكم بالشفاء والهداية؛ لعل الله يستجيب منكم.
شكرا على جهودكم، فلقد كانت كثير من فتاويكم كالماء البارد على صدري.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

فنسأل الله تعالى أن يعافيك، وأن يلهمك رشدك، وأن يقيك شر نفسك.
فما ذكرته لا يعدو أعراض مرض الوسوسة، فإن مسائل الدين والالتزام الصحيح بأحكامه، لا تصل بصاحبها لهذه الحال، ولا تتسبب في خسارة الدين والدنيا!

ولهذا فإنا ننصحك بالإعراض التام عن التفكير في أمر الاستهزاء، ومتى يكون كفرا، ومتى لا يكون كذلك؟ فإن استرسال الموسوس في أمر لا يحسنه، أو لا ينزله على موضعه الصحيح، لا يزيده إلا حيرة واضطرابا، كما هو حال الأخت السائلة!

فكل ما ذكرته من المسائل، لا يحكم عليه بكونه استهزاء بدين الله، أو بحكم من أحكام الله، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فليس بكفر، وإنما هو التعمق المذموم الذي يضر صاحبه. وغاية الأمر أن يحكم على هذه الأقوال بكونها صحيحة، أو خاطئة .. جائزة، أو غير جائزة .. ونحو ذلك، وأما ربطها بالاستهزاء الذي يخرج صاحبه من الملة، فأثر من آثار الوسوسة، يجب التوقف والإعراض عنه.
ونريد هنا فقط التركيز على مسألة مهمة في باب الاستهزاء ونحوه، وهو ضرورة مراعاة النيات والمقاصد، فقد يفعل أو يقول شخصان شيئا واحدا، ويختلف حكمهما بحسب اختلاف المقاصد والأفهام.

قال الشيخ صالح آل الشيخ في (التمهيد لشرح كتاب التوحيد): الهزل والاستهزاء بالله، أو بالرسول، أو بالقرآن مناف لأصل التوحيد، وكفر مخرج من الملة، لكن بضابطه الذي ذكرناه، وهو: أن الاستهزاء- وهو الاستنقاص واللعب والسخرية- يكون بالله - جل جلاله - أو يكون بالرسول صلى الله عليه وسلم، أو يكون بالقرآن، وهذا هو الذي جاء فيه النص قال- جل وعلا-: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [التوبة: 65 - 66] ... ويخرج عن ذلك ما لو استهزأ بالدين، فإن الاستهزاء بالدين فيه تفصيل، فإن المستهزئ بالدين، أو الساب له، أو اللاعن له، قد يريد دين المستهزأ به، ولا يريد دين الإسلام أصلا، فلا يرجع استهزاؤه إلى واحد من الثلاثة؛ فلهذا نقول: الكفر يكون أكبر إذا كان الاستهزاء بأحد الثلاثة التي ذكرنا ونصت عليها الآية، أو كان راجعا إلى أحد الثلاثة.

أما إذا كان الاستهزاء بشيء خارج عن ذلك، فإنه يكون فيه تفصيل: فإن هزل بالدين، فينظر هل يريد دين الإسلام، أو يريد تدين فلان؟ ومثال ذلك أن يأتي واحد من المسلمين ويستهزئ- مثلا- بهيئة أحد الناس، وهيئته يكون فيها التزام بالسنة، فهل يكون هذا مستهزئا الاستهزاء الذي يخرجه من الملة؟

الجواب: لا؛ لأن هذا الاستهزاء راجع إلى تدين هذا المرء، وليس راجعا إلى الدين أصلا ... وكذلك الاستهزاء بكلمات قد يكون مرجعها إلى القرآن، وقد لا يكون مرجعها إلى القرآن فيكون فيه تفصيل. اهـ.

وراجعي للفائدة، الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 137826، 131591، 137818، 137096.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة