حكم من لا يغضب لله ويقول إن الله لا يغضب حقيقة

0 124

السؤال

سمعت من شخص كان مسجونا في سبيل الله يقول إن كلمات الكفر التي كان يسمعها من المعذبين كانت أشد عليه من كل أنواع العذاب، وأنه كان مقهورا من كل قلبه، فكما أن الله تعالى قال: تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق اﻷرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا ـ فهذا يثبت ما قاله المسجون، فلماذا لا أشعر بهذه الحرقة إذا سمعت كلمات الكفر حيث أقول لنفسي إن الله يعلم هذا كله منذ الأزل، ولو كان أمرا يزعج الله ـ ولا أعلم هل هذا القول يجوز في حق الله ـ أو يغضبه لكان لم يخلقنا، وأقول إن هذا الأمر عادي ولا يستحق كل هذا، لأن الله لا يغضب حقيقة ولكن ليختبرنا من سيجاهد وينصر الدين ومن سيتخلف، فأقول لنفسي صحيح يجب علي الجهاد، ولا يلزم أن أغضب من أجل الله غضبا حقيقيا، ومن ثم أقول قد تكون هذه مراتب إيمانيةعالية لم أصلها بعد، فكيف أصلها؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فاعلم أن الله يغضب على الكافرين، ويغضب حين تنتهك محارمه غضبا حقيقيا يليق بجلاله ليس هو كغضب المخلوقين، وليس لك أن تقول إنه لا يغضب حقيقة، وإنما يختبرنا ونحو ذلك من الكلام، ثم الله تعالى يحب من عباده الذين يغضبون لما يغضبه سبحانه، كما كان رسولنا صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه قط ولا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله تعالى، وغضب المسلم إذا انتهكت حرمات الله وكفر به الكافرون وجحد آياته الجاحدون دليل على حبه لهذا الدين وغيرته عليه، فإن المؤمن يرضى بما يرضي الله، ويسخط لما يسخطه، ويحب ما يحبه، ويكره ما يكرهه - سبحانه وبحمده- وغضب العبد إذا انتهكت حرمات الله تعالى هو الذي يحمله على بذل نفسه طاعة لله تعالى وإعلاء لدينه، وهو الذي يهيجه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالغضب لله من لوازم الجهاد الحق، وكون الله قدر كل هذا أزلا لا ينافي أن يغضب المسلم لارتكاب تلك المحرمات، فإن من حكمة تقديرها أن يعلم الله من يحبه فيحب ما يحبه ويكره ما يكرهه، ويغضب لما يغضبه ممن ليس كذلك، جاء في أحكام أهل الذمة في بيان حكمة قتل الساب للرسول صلى الله عليه وسلم: فأمر سبحانه بقتال الناكثين الطاعنين في الدين، ورتب على ذلك أشياء: تعذيبهم بأذى المؤمنين، وخزيهم، والنصرة عليهم، وشفاء صدور المؤمنين، وذهاب غيظ قلوبهم، وتوبته على غيرهم، والتقدير: إن تقاتلوهم يحصل هذا، وإذا كانت هذه الأمور مرتبة على قتال الناكث والطاعن في الدين ـ وهي أمور مطلوبة ـ كان سببها المقتضي لها مطلوبا للشارع ـ وهو القتال ـ وإذا كانت هذه الأمور مطلوبة حاصلة بالقتال لم يجز تعطيل القتال الذي هو سببها مع قيام المقتضي له من جهة من يقاتله، وهو النكث والطعن في الدين، فشفاء الصدور الحاصل من ألم النكث والطعن، وذهاب الغيظ الحاصل في صدور المؤمنين من ذلك، مقصود للشارع مطلوب الحصول، ولا ريب أن من أظهر سب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الذمة فإنه يغيظ المؤمنين ويؤلمهم أكثر من سفك دماء بعضهم وأخذ أموالهم، فإن هذا يثير الغضب لله والحمية له ولرسوله، وهذا القدر لا يهيج في قلب المؤمن غيظ أكثر منه، بل المؤمن المسدد لا يغضب هذا الغضب إلا لله ورسوله، والله سبحانه يحب شفاء صدور المؤمنين وذهاب غيظ قلوبهم، وهذا إنما يحصل بقتل السباب لأوجه... ثم ذكرها.

فالغضب لله هو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو دليل الإيمان الصادق وعلامة محبة الله تعالى، ويمكنك تحصيل ذلك بزيادة محبة الله في قلبك والنظر في أسمائه وصفاته وتدبر حكمه في شرعه ودعائه سبحانه والتوكل عليه في أن يصلح قلبك وينور صدرك ويشرحه لما فيه رضاه، وبالمجاهدة الصادقة يصل العبد إلى ما لم يكن لولا المجاهدة واصلا إليه من مراتب الإيمان ومنازل اليقين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة