السؤال
من يعتبر الآن أمير المسلمين؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فمنصب الإمامة العظمى منصب رفيع تتعلق به مصالح الأمة في دنياها وأخراها، ولذلك اعتنت الشريعة الإسلامية ببيان صفات من يصلح لهذا المنصب ومن لا يصلح، فجاءت النصوص الشرعية مبينة الشروط اللازم توافرها في من يختار ليكون إماما للمسلمين. ومن هذه الشروط: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والذكورة، والعلم، والعدالة، والقرشية. ومن أهل العلم من زاد على هذه الشروط. وتفاصيل الكلام عن هذه الشروط تراجع له كتب العلماء في ذلك. ولكن يتسامح في بعض هذه الشروط كالعلم والعدالة إذا وصل الحاكم إلى الحكم عن طريق الغلبة والقهر والاستيلاء حفظا للدماء ودرءا للفتن. يقول الإمام النووي رحمه الله في روضة الطالبين: أما الطريق الثالث فهو القهر والاستيلاء، فإذا مات الإمام فتصدى للإمامة من جمع شرائطها من غير استخلاف ولا بيعة وقهر الناس بشوكته وجنوده، انعقدت خلافته لينتظم شمل المسلمين، فإن لم يكن جامعا للشرائط بأن كان فاسقا أو جاهلا، فوجهان: أصحهما انعقادها لما ذكرنا؛ وإن كان عاصيا بفعله. اهـ ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة: فمتى صار قادرا على سياستهم إما بطاعتهم أو بقهره، فهو ذو سلطان مطاع إذا أمر بطاعة الله. اهـ ويقول الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في فتح الباري: وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح، فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها. اهـ ويقول أبو حامد الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين: لو تعذر وجود الورع والعلم فمن يتصدى للإمامة وكان في صرفه إثارة فتنة لا تطاق، حكمنا بانعقاد إمامته؛ لأننا بين أن نحرك فتنة بالاستبدال، فما يلقى المسلمون منه من الضرر يزيد على ما يفوتهم من نقصان هذه الشروط التي أثبتت لمزية المصلحة، فلا يهدم شغفا بمزاياها، كالذي يبني قصرا ويهدم مصرا، وبين أن نحكم بخلو البلاد عن الإمام وبفساد الأقضية، وذلك محال ونحن نقضي بنفوذ قضاء أهل البغي في بلادهم لمسيس حاجتهم، فكيف لا نقضي بصحة الإمامة عند الحاجة والضرورة. اهـ وعلى هذا، فمن تغلب حتى وصل إلى الإمارة وجبت طاعته ما لم ير الناس منه كفرا بواحا. لما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه. فقال: في ما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله؛ إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان. وبقيت مسألة أخرى لا بد من ذكرها، وهي: هل يجوز تعدد الأئمة في زمن واحد أم لا؟ ذهب جماهير المسلمين إلى أنه لا يجوز تعدد الأئمة في زمن واحد، بل حكى بعضهم الإجماع على ذلك. قال الإمام النووي رحمه الله: اتفق العلماء على أنه لا يجوز أن يعقد لخليفتين في عصر واحد. اهـ وقال الماوردي في الأحكام السلطانية: إذا عقدت الإمامة لإمامين في بلدين لم تنعقد إمامتهما؛ لأنه لا يجوز أن يكون للأمة إمامان في وقت واحد، وإن شذ قوم فجوزوه. اهـ وهؤلاء المانعون من تعدد الأئمة منهم من منع ذلك مطلقا، سواء اتسعت رقعة الدولة الإسلامية أم لا، وهذا مذهب الأكثرين وصريح النصوص يشهد له، ومنهم من ذهب إلى جواز التعدد إذا وجد سبب مانع من الاتحاد على إمام واحد، وذكر إمام الحرمين الجويني أهم هذه الأسباب بقوله: منها اتساع الخطة وانسحاب الإسلام على أقطار متباينة، وجزائر في لجج متقاذفة، وقد يقع قوم من الناس نبذة من الدنيا لا ينتهي إليهم نظر الإمام، وقد يتولج خط من ديار الكفر بين خطة الإسلام، وينقطع بسبب ذلك نظر الإمام عن الذين وراءه من المسلمين... قال: فإذا اتفق ما ذكرناه فقد صار صائرون عند ذلك إلى تجويز نصب إمام في القطر الذي لا يبلغه أثر نظر الإمام. انتهى من غياث الأمم. وقال القرطبي في تفسيره: لكن إذا تباعدت الأقطار وتباينت كالأندلس وخرسان جاز ذلك. اهـ وعلى المسلمين اليوم السعي الحثيث من أجل التوحد، فإن الأمم الآن تتسارع إليه في وقت لا يجمعها فيه دين ولا عرف، فكيف والمسلمون يجمعهم الدين. والله أعلم.