السؤال
لماذا لم يخلق ربنا سبحانه وتعالى كل الناس مسلمين؟ الله سبحانه وتعالى خلق كفارا مثل قسم من (الهند) إذا كان يعرف ربنا سبحانه وتعالى بأنهم كفار لماذا يخلقهم؟
لماذا لم يخلق ربنا سبحانه وتعالى كل الناس مسلمين؟ الله سبحانه وتعالى خلق كفارا مثل قسم من (الهند) إذا كان يعرف ربنا سبحانه وتعالى بأنهم كفار لماذا يخلقهم؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب الانتباه إلى تأكيد وأهمية وفرضية الأدب مع الله تعالى، فإن الله تعالى لا يجب لعباده عليه شيء، كما حققه غير واحد من أهل العلم، ولا يقال في فعله: لماذا؟ لأنه تعالى فعال لما يريد، ولا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، ولا يسأل عما يفعل.
فإذا تقرر هذا، فاعلم أن الله تعالى فطر خلقه على توحيده وعبوديته، فجاءتهم الشياطين الإنسية والجنية فاجتالتهم عن دينهم فاستجابوا لهم وامتنعوا عن طاعة الرسل واتباعهم، وأبوا إلا أن يشركوا بالله. قال تعالى: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى [الأعراف:172].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه، قال تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله[الروم:30].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه. وفي رواية: على هذه الملة. وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله: إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم. وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يقول لأهون أهل النار عذابا: لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به؟ قال: نعم، قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي، فأبيت إلا الشرك. متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.
وقال ابن كثير أيضا في تفسير قوله تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله: يقول تعالى: فسدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم الذي هداك الله لها، وكملها لك غاية الكمال، ولازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها، فإنه تعالى فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره. وذكر أن الله ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة، لا يولد أحد إلا على ذلك، ولا تفاوت بين الناس في ذلك. اهـ.
ثم اعلم أن الله تعالى لما انحرف الناس عن التوحيد بعث خيرة خلقه، وهم رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام، مبشرين بوعد الله من أطاعه، ومنذرين من وعيده من عصاه، فكان من الناس من أطاع الرسل، ومنهم من اتبع الشيطان واغتر بأكاذيبه وغروره. قال تعالى: كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين [البقرة:213]، وقال تعالى:ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين * ولقد أرسلنا فيهم منذرين [الصافات:71، 72]. وقال تعالى إخبارا عن إبليس وهو يخطب أمام جماهيره في النار: وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل [إبراهيم:22].
والله أعلم.