السؤال
عندما أسرح بالتفكر في هذا الخالق العظيم ومخلوقاته، أجدني أقول: سبحانك يا عجيب، فأتذكر أن العجيب ليست من أسماء الله في الكتاب والسنة، فهل تصح كلمة العجيب على هذا الإله العظيم، وإذا كانت لا تصح، فلماذا؟
عندما أسرح بالتفكر في هذا الخالق العظيم ومخلوقاته، أجدني أقول: سبحانك يا عجيب، فأتذكر أن العجيب ليست من أسماء الله في الكتاب والسنة، فهل تصح كلمة العجيب على هذا الإله العظيم، وإذا كانت لا تصح، فلماذا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فبداية نقرر أن باب الإخبار عن الله تعالى أوسع من باب تسميته، ووصفه، فيصح الأخبار عنه سبحانه وتعالى بكل ما تصح نسبته إليه عز وجل، وإن لم يرد بلفظه في النصوص الشرعية، بخلاف باب التسمية، والوصف، فهما توقيفيان، لا يتعدى فيهما النصوص الشرعية، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 161651، ورقم: 128900، وما أحيل عليه فيها.
وعلى ذلك؛ فالنظر هنا يكون في صحة نسبة العجب أو التعجب من الله عز وجل، فإن صح ذلك صح الإخبار بذلك، وإلا فلا، وأما تسميته سبحانه بذلك، ووصفه به، فلا يصح على أي حال؛ لعدم ثبوته بالدليل الشرعي.
وأما صحة نسبة هذا المعنى في باب الإخبار عن الله تعالى به، فالعجيب هو: ما يدعو إلى العجب، والعجب روعة تأخذ الإنسان عند استعظام الشيء، كما جاء في المعجم الوسيط، ومن ذلك وصف القرآن بالعجب في قوله تعالى على لسان الجن: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا {الجن:1}.
قال النحاس في إعراب القرآن: معنى عجب: عجيب في اللغة، على ما ذكره محمد بن يزيد: أنه الشيء يقل، ولا يكاد يوجد مثله. اهـ.
وقال البغوي في تفسيره: عجبا ـ قال ابن عباس: بليغا، أي: قرآنا ذا عجب، يعجب منه لبلاغته. اهـ.
وقال الزمخشري في الكشاف: عجبا ـ بديعا مباينا لسائر الكتب في حسن نظمه، وصحة معانيه، قائمة فيه دلائل الإعجاز، وعجب مصدر يوضع موضع العجيب، وفيه مبالغة، وهو ما خرج عن حد أشكاله ونظائره. اهـ.
وقال ابن جزي في التسهيل: وقيل: هو على حذف مضاف، تقديره: ذا عجب. اهـ.
وهذا المعنى -كما هو- يصح في صفة من صفات الله تعالى التي هي كلامه القرآن، فإنه يصح أيضا في باب الإخبار عن الله تعالى وأفعاله وأمره، كما قالت الملائكة لسارة امرأة إبراهيم: قالوا أتعجبين من أمر الله {هود: 73}.
ومما روي في هذا المعنى، ما أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء له، ومن طريقه أسنده أبو طالب المكي في قوت القلوب، وذكره السيوطي في الحاوي للفتاوي ـ من طريق سلام الطويل عن الحسن البصري ـ في أثر طويل في أربعين اسما علمها الله تعالى لإدريس النبي ـ عليه السلام ـ ومنها: يا عجيب، فلا تنطق الألسن بكنه آلائه، وثنائه. اهـ.
وفي إسناده سلام الطويل، وهو متروك، كما في تقريب التهذيب.
وقال الألوسي في غاية الأماني في الرد على النبهاني: كان الشيخ شهاب الدين السهروردي يواظب على قراءة هذه الاستغاثة، وذكروا لها خواص كثيرة، وفوائد عظيمة لمن يداوم على قراءتها، وهي.. اهـ. فذكر الأسماء الإدريسية السابقة.
والمقصود أن العجيب وإن كانت ليست من أسماء الله، ولا صفاته، إلا أنه يصح من حيث المعنى الإخبار بها عنه.
ومع ذلك؛ فالأسلم والأقرب أن يأتي ذلك وصفا لأمر الله تعالى، وأفعاله، وحكمته في خلقه، فبدلا من قول القائل: سبحانك يا عجيب! يقول: سبحانك يا عجيب الخلق أو الصنع! أو: سبحانك يا خالق العجائب، ونحو ذلك، وهذا مستعمل في كلام أهل العلم، كما قال ابن بطة العكبري في الإبانة الكبرى: فهو عز وجل يستشهد لخلقه بآثار صنعته العجيبة، وإتقانه لما خلق، وإحكامه على سابق علمه، ونافذ قدرته، وبليغ حكمته. اهـ.
وقال الغزالي في الإحياء: يستفاد من الفكر في الخلق لا محالة معرفة الخالق وعظمته وجلاله وقدرته، وكلما استكثرت من معرفة عجيب صنع الله تعالى، كانت معرفتك بجلاله وعظمته أتم. اهـ.
ومع صحة هذه النسبة من حيث المعنى من باب الاستعظام والإكبار لأمر الله وشأنه في خلقه، إلا أن الألفاظ الواردة في النصوص الشرعية أوفى للمعاني، وأدق في الألفاظ، وأبعد عن الإغراب، ومن هذه الألفاظ: بديع السموات والأرض، الذي أتقن كل شيء، وأحسن كل شيء خلقه، كما قال تعالى: بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون {البقرة:117}، وقال سبحانه: وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون {النمل:88}، وقال عز وجل: الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين {السجدة:7}.
والله أعلم.