السؤال
هل معنى إبطان العداوة والبغضاء للكفار: وجود البغض الشرعي لهم، ولمعتقداتهم الباطلة؟ وما حكم من يصاحب الكفار؟ هل يصل فيه الأمر للكفر، حتى مع وجود البغض الشرعي لهم، وإذا كنت مقيما في بلادهم هل يجب أن أظهر هذا البغض؟ وإذا كان يجب فكيف يكون ذلك؟ وهل يجب أن أصرح بذلك لكل شخص أراه، وربما إن فعلت ذلك لن يعيرني أحد انتباها أصلا؟ أم يكفيني أن أعرف لو أن أحدا منهم سألني، وكنت أستطيع الجواب أني مسلم، وأنا كاره لما هم عليه من الكفر، فهل يكفي معرفة أني أستطيع القيام بذلك من غير حرج؟ وهل يصل للكفر من كان لا يستطيع إقامة دينه، ولم يهاجر، أم هي كبيرة من المعاصي؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد سبق لنا بيان أن إظهار العداوة للكفار، يكفي في حصوله ألا يجهل الكافر كراهيتك لدينه، وما هو عليه من الباطل، وأنك من أجل ذلك تبغضه في الله تعالى، وأن هذا لا يتعارض مع محبته محبة طبيعية لعلاقة خاصة -كمحبة الوالد، والولد، والزوجة-، أو لأجل نفع قدمه، أو لجميل عنده، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 174031. كما سبق لنا بيان أحوال محبة الكافر وبغضه، وذلك في الفتوى رقم: 161841 وما أحيل عليه فيها.
وجاء في جواب للشيخ عبد الرحمن البراك على سؤال لفظه: هل يظهر المؤمن بغضه للكافر المسالم، سواء أكان من الأقارب أم من غيرهم؟ وكيف يتم إظهارها؟ إذا كان الجواب بنعم؛ فكيف أظهر النبي صلى الله عليه وسلم بغضه لعمه أبي طالب؟ وهل يمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أظهر بغضه للغلام اليهودي الذي أسلم؟ أو لأبيه الذي قال: أطع أبا القاسم؟
فجاء خلال جواب الشيخ: والكفار من حيث العلاقة معهم نوعان: محاربون، ومعاهدون، فالمحاربون يجب أن نظهر عداوتهم وبغضهم بكل صور الإظهار ...
وأما المعاهدون كأهل الذمة يوم كانوا أيام عز المسلمين، وكذا المقيمون اليوم من الكفار في بلاد المسلمين لسبب من الأسباب، فيكفي في إظهار بغضنا لهم علمهم بعقيدتنا فيهم، وفي دينهم، وأن يظهر أثر ذلك في معاملتهم الاجتماعية بالمجالسة، واللقاء، بحيث لا تكون معاملتهم كمعاملة المسلم للمسلم في الحفاوة، والإكرام...
ولا يلزم في إظهار البغض والعداوة أن تقول له: إني أبغضك، فإن هذا لا معنى له، وهو يعلم عقيدتك فيه، ومعاملتك له، فليس من العقل، ولا من المشروع أن تقول لصاحب في السفر، أو زميل في العمل، أو جار، أو والد، أو قريب كلما لقيته: إني أبغضك؛ فإن هذا مما ينفر عن الإسلام، وينافي ما أمر الله به من حسن الصحبة، وحسن الجوار، وبر بالوالدين، وصلة الرحم، وقد قال الله في شأن الأبوين المشركين: (وصاحبهما في الدنيا معروفا)، وقال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا)، وقال صلى الله عليه وسلم لأسماء -رضي الله عنها- حين سألته: هل تصل أمها وهي مشركة؟ فقال: (نعم، صلي أمك) متفق عليه، وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال لعشيرته حين أنذرهم: (إني لا أملك لكم من الله شيئا، غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها) متفق عليه. هذا مع القيام بالواجب من حسن المعاملة، كما تقدم، وعدم الظلم، وكف الأذى، وحسن الجوار، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وبذل المعروف، مما يعد من الإحسان العام، وبهذا يظهر الجواب عن السؤال في معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه وللغلام. انتهى محل الغرض منه.
وفي هذا القدر كفاية في أصل جواب السؤال، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 348775. وكتاب (بسط القول والإسهاب في بيان حكم مودة المؤمن للكافر)، وكتاب (الولاء والبراء والعداء في الإسلام) كلاهما لأبي فيصل البدراني.
والله أعلم.