السؤال
توفي والدي عن: زوجة، و5 بنات، وولد، وأختين، وأم. وترك أرضا زراعية، وأرض بناء، لكن قبل موت أبي، مات جدي قبله بسنوات، وهناك 18 قيراطا مسجلا باسم جدي، وكانت لديه بندقية. ولترخيصها بعد وفاته، كان على أخوات أبي {عماتي}التنازل لأبي عن حيازة الأرض؛ للحصول على الترخيص، ولم تطالبن أخاهم في حياته بشيء.
تقول أمي إن جدي كان مريضا، وأبي هو من اشترى الأرض بماله، باستثناء 3 قراريط كان قد ورثها جدي من أبيه، و3 أخر، اشتراها جدي نفسه بماله، أي اشترى أبي 12 قيراطا، وجدي كان له 6 فقط {حسب قول أمي، ولا أدري مدى صدقها}
أبي وأختاه وأمه لم يتقاسموا الميراث فعليا، وبعد موت أبي جاء أحد الأقارب ووضع كل شيء في المجلس الحسبي لصالحي أنا وإخوتي، وكنا خمس بنات وولدا. وكبرنا، وما زالت طفلة {فعل ذلك؛ لأن الأرض كانت مصدر دخلنا، بالإضافة لمبلغ صغير يدفع للأرامل{لأمي} ولم تهتم عماتي بمساعدتنا}
ذهبت جدتي وعماتي للمحاكم للمطالبة بحقهن، لكن لم يحكم لهن بشيء مهما كان عدد مرات التقدم بالقضية، أو باختلاف المحافظة والمحكمة {لأنهن تنازلن بالفعل ولم يطالبنه}.
وبعد أن كبرنا اشترى أخي من جدتي نصيبها في الأرض الزراعية، ونصيبها من أرض البناء الذي ورثته عن ابنها المتوفى، وأنا خائفة من شبهة أن عماتي لهن نصيب، مع أني عرضت على إحدى عماتي ثمن جزء من نصيبي، على أساس أن جدي لم يكن يستحق إﻻ 6 قراريط، ورفضت، مدعية أنها لو أخذت، فسيكون بتقسيم ال18 كاملة.
أنا قد ورثت من أبي أرضا زراعية، وأرض مباني، وبعتهما لأخي منذ سنتين، واتفقنا على أن يدفع عند تيسر الحال، والآن المبلغ أصبح متوفرا، ويشتري أخي كذلك نصيب أخواتي الأخريات.
لا أدري ماذا أفعل بهذا المال، فما زالت هناك شبهة امتلاك عماتي لحق، رغم رفض المحاكم لذلك، ويخبرني أبنائي بترك نصيبي لأخي، ويكون مسؤولا عن رد الحقوق إن أراد.
لا يكفي نصيبي لإرضاء عماتي؛ لقولهن امتلاك جدي 18 قيراطا، ولا أدري هل أكون آثمة إن تركته لأخي، وتخليت عن الأمر، علما بأن والدتي تخبر أخي ألا يعطيهن شيئا.
وأريد إبراء ذمتي من الموضوع كاملا، فلا أكون آثمة بعدم إحقاق الحق {الذي ترفضه أمي وبعض من إخوتي} فماذا أفعل !!
يستحيل أن نجتمع للتقسيم بحق، وبعضهم قد باع واشترى بما أخذ، وبعضهم رافض أصلا}
فقط أريد أن أكون بريئة، فلا احمل إثما بسببهم، أتركها؟ أعطي نصيبي لمن؟
ماذا أفعل؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الفصل في قضايا المنازعات والخصومات -كالتركات وغيرها- إنما هو من شأن القضاء الشرعي الذي يتولى النظر، والتحقيق والتدقيق، والبحث في البينات، وبقية الأمور المتعلقة بالقضية، وليس ذلك من اختصاص المفتين، والفتوى لا تغني شيئا في قضايا الخصومات، ولا ترفع النزاع.
والحكم في أي قضية نزاع، يفتقر إلى السماع من طرفي القضية، ومعرفة ملابسات القضية والإحاطة بجوانبها، ولا يصح البتة الحكم بناء على قول طرف واحد.
فالذي ينبغي هو الرجوع إلى القضاء الشرعي؛ للبت والفصل في مثل هذا الموضوع.
وقد ذكرنا ضمن التعريف بمنهجية الفتوى في موقعنا: ( الاعتذار للسائل، وإحالته للقضاء الشرعي في مسائل الخصومات، والمناكرات).
لكن نبين لك مسائل تتعلق بما سألت عنه:
الأولى: أن العقد الصوري الذي لا يقصد العاقدان حقيقته، لا اعتبار له، ولا يعد عقدا صحيحا شرعا، كما بيناه في الفتوى رقم: 111846.
فالتنازل الصوري في الأوراق الرسمية دون قصد الهبة حقيقة، لا يعد هبة صحيحة، وتظل الأرض باقية على ملك أصحابها، ولا يؤثر فيها ذلك التنازل.
الثانية: أن مجرد الحيازة والتقادم، ليس سببا شرعيا لانتقال ملكية الأرض من مالكها الأصلي إلى واضع اليد عليها -وإن كان شريكا في الإرث-.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أن الحق لا يسقط بالتقادم، ولم يفرق جمهور الفقهاء في سماع الدعوى بين ما تقادم منها، وما لم يتقادم. اهـ.
الثالثة: أن حكم الحاكم بالحقوق المرسلة، لا يغير الشيء عن صفته في الباطن، باتفاق المسلمين.
قال ابن تيمية: قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن أم سلمة: {إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بنحو مما أسمع. فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه؛ فإنما أقطع له قطعة من النار}.
وقد اتفق المسلمون على أن حكم الحاكم بالحقوق المرسلة، لا يغير الشيء عن صفته في الباطن، فلو حكم بمال زيد لعمر؛ لإقرار، أو بينة كان ذلك باطلا في الباطن، ولم يبح ذلك له في الباطن، ولا يجوز له أخذه مع العلم بالحال، باتفاق المسلمين.
وكذلك عند جماهير الأمة لو حكم بعقد أو فسخ نكاح أو طلاق وبيع، فإن حكمه لا يغير الباطن عندهم، وإن كان منهم من يقول: حكمه يغير ذلك في هذا الموضع؛ لأن له ولاية العقود والفسوخ. فالصحيح قول الجمهور، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وسائر فقهاء أهل الحجاز، والحديث، وكثير من فقهاء العراق .اهـ. من مجموع الفتاوى.
الرابعة: أن دعوى والدتك أن بعض الأرض قد اشتراها والدك، لا تقبل شرعا إلا إن أقامت بينة على ذلك، أو أقر لها أصحاب الحق بذلك.
والله أعلم.