السؤال
في العراق حاليا يعطي أحد المشايخ إجازة في الأحاديث المسلسلة بالسند المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والإجازة تكون في المسجد، بعد جلسة واحدة لسماع الحديث من الشيخ، فهل هذا الأمر صحيح؟ خاصة وقد عرف مسلك الحديث وتم ضبطه ولم نعد بحاجة لسند متصل في وقتنا هذا، ومن نحن حتى نحصل على سند متصل بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ وقد وجدت هذه الفتوى في النت: السؤال السادس من الفتوى رقم: 3816، س6: هل بقي أحد من العلماء الذين يصلون بإسنادهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى كتب أئمة الإسلام؟ دلونا على أسمائهم وعناوينهم حتى نستطيع طلب الحديث والعلم منهم، ج6: يوجد عند بعض العلماء أسانيد تصلهم بدواوين السنة، لكن ليست لها قيمة لطول السند، وجهالة الكثير من الرواة عدالة وضبطا، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب الرئيس: عبد الرزاق عفيفي
عضو: عبد الله بن غديان
عضو: عبد الله بن قعود.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس المقصود من مثل هذه الإجازات: الاعتماد على أسانيدها في إثبات سنة، أو الحكم بصحة السند أو ضعفه!! وإنما المقصود منها سماع الحديث وروايته، والإبقاء على ميزة هذه الأمة في الإسناد، وتحصيل شرف الرواية والاتصال بنسبة ما، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس قاصرا على عصرنا هذا، بل هذه هي الحال من قرون متطاولة، بعد انقطاع عصر الأئمة والجرح والتعديل، قال ابن جماعة في المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي: ليس المقصود بالسند في عصرنا إثبات الحديث المروي وتصحيحه، إذ ليس يخلو فيه سند عمن لا يضبط حفظه أو كتابه، ضبطا لا يعتمد عليه فيه، بل المقصود بقاء سلسلة الإسناد المخصوص بهذه الأمة فيما نعلم، وقد كفانا السلف مؤونة ذلك، فاتصال أصل صحيح بسند صحيح إلى مصنفه كاف، وإن فقد الإتقان في كلهم أو بعضهم. اهـ.
وقد عقد الشيخ الدكتور ذياب الغامدي في كتابه: الوجازة في الأثبات والإجازة ـ فصلا عن فوائد الإجازة بعد تدوين كتب السنة، قال فيه: هذه الإجازات التي ارتسمت في الدفاتر، وأخذت عن الأكابر، وتسلسلت برجال أهل العلم والتثبت بعد تدوين كتب السنة وغيرها؟! ما هي إلا تأكيدا لمنهج السلف الصالح في حفظ اتصال السند، والانتساب إلى رجاله، حتى يصل مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم... نعم، لقد حفظت لنا دواوين كتب السنة وغيرها: الأحاديث وغيرها بلا زيادة أو نقصان، حيث تسلسلت برجال أثبات، وبشروط معتبرة عند أهل الحديث، في غيرها من الشروط والاعتبارات الحديثية، فعندها أقاموا سوق الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف، فكان حينئذ القبول والرد، ولهم في كتب الرجال والطبقات، والجرح والتعديل ما يدل على ذلك ويشهد، فلما وقفت دواوين كتب السنة وغيرها على رجالها ومصنفيها، حينئذ أمن أهل السنة والحديث من عبث العابثين، وكذب المفترين، وانتحال المبطلين، فعندها لم يبسطوا لسان الجرح والتعديل، بل مدوا حبل الوصل بين كتب السنة وغيرها، وبين من أراد الانتساب إليها، حتى يبقى الإسناد سنة ماضية يأخذه الخلف عن السلف، والأصاغر عن الأكابر، ويبقى للأمة سندها خاصة عن سائر الأمم.... لأجل هذا، كان من ممحوض الخطأ أن يتقول أحد، أو يتفوه رجل: بأن وصل السند، وطلب الإجازة اليوم: ليست من الإسلام في شيء، أو أنها ليست من علم ومنهج السلف بشيء؟! وعلى مثل هذه القالات والأغلوطات رد أهل العلم عليها ردا شافيا، بأوجز عبارة، وأقرب إشارة. اهـ.
ثم نقل في ذلك بعض النقول عن أهل العلم، كابن الأثير وأبي طاهر السلفي والبيهقي وابن الصلاح وابن جماعة، ثم عقد بعد ذلك فصلا للرد على من أنكر الإجازة، فراجعه إن شئت، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 296083.
والله أعلم.