السؤال
قرأت في كتاب منهاج المسلم للأستاذ أبو بكر جابر الجزائري أن المرأة الحرة إذا توفي زوجها فإنها تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام ولكن الأمة تعتد شهرين وخمس ليال فما الحكمة من ذلك؟
أرجو الإجابة على هذا السؤال في أقرب فرصة ممكنه مع الشكر الجزيل لكم.
قرأت في كتاب منهاج المسلم للأستاذ أبو بكر جابر الجزائري أن المرأة الحرة إذا توفي زوجها فإنها تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام ولكن الأمة تعتد شهرين وخمس ليال فما الحكمة من ذلك؟
أرجو الإجابة على هذا السؤال في أقرب فرصة ممكنه مع الشكر الجزيل لكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد حصر بعض أهل العلم الحكمة في جعل عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام في العلم بخلو الرحم من الحمل. قال الشوكاني في "فتح القدير": ووجه الحكمة في جعل العدة للوفاة هذا المقدار، أن الجنين الذكر يتحرك في الغالب لثلاثة أشهر، والأنثى لأربعة، فزاد الله سبحانه على ذلك عشرا؛ لأن الجنين ربما يضعف عن الحركة فتتأخر حركته قليلا، ولا تتأخر عن هذا الأجل. لأجل ذلك مال الشوكاني لقول الظاهرية، وخالف الأئمة الأربعة وجمهور العلماء في جعل عدة الأمة نصف عدة الحرة، فقال: وظاهر الآية عدم الفرق بين الصغيرة والكبيرة والحرة والأمة وذات الحيض والآيسة، وأن عدتهن جميعا للوفاة أربعة أشهر وعشر، وقيل: إن عدة الأمة نصف عدة الحرة شهران وخمسة أيام. قال ابن العربي: إجماعا؛ إلا ما يحكى عن الأصم فإنه سوى بين الحرة والأمة. وقال الباجي: ولا نعلم في ذلك خلافا إلا ما يروى عن ابن سيرين أنه قال: عدتها عدة الحرة، وليس بالثابت منه.. ووجه ما ذهب إليه ما عداهما قياس عدة الوفاة على الحد، فإنه ينصف للأمة بقوله: (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب)[النساء:25]، ولكن هاهنا أمر يمنع من هذا القياس الذي عمل به الجمهور، وهو أن الحكمة في جعل عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا هو ما قدمنا من معرفة خلوها من الحمل. والصواب ما ذهب إليه الجمهور وأجمع عليه الصحابة من جعل عدة الأمة على النصف من عدة الحرة، وأن حصر الحكمة في استبراء الرحم من الحمل ليس بصواب، لحصول الاستبراء بحيضة واحدة. قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": ففي شرع العدة عدة حكم؛ منها: العلم ببراءة الرحم. ومنها: تعظيم خطر هذا العقد، ورفع قدره، وإظهار شرفه. ومنها: قضاء حق الزوج، وإظهار تأثير فقده في المنع في التزين والتجمل؛ ولذلك شرع الإحداد عليه أكثر من الإحداد على الوالد والولد. ومنها... إلى أن قال: وأما عدة الوفاة فتجب بالموت، سواء دخل بها أو لم يدخل، كما دل عليه عموم القرآن والسنة الصحيحة واتفاق الناس، فإن الموت لما كان انتهاء العقد وانقضاءه استقرت به الأحكام: من التوارث، واستحقاق المهر، وليس المقصود بالعدة هاهنا مجرد استبراء الرحم كما ظنه بعض الفقهاء؛ لوجوبها قبل الدخول، ولحصول الاستبراء بحيضة واحدة، ولاستواء الصغيرة والآيسة وذوات القروء في مدتها، فلما كان الأمر كذلك قالت طائفة، هي تعبد محض لا يعقل معناه، وهذا باطل لوجوه... فذكرها، ثم قال: فالصواب أن يقال: هي حريم لانقضاء النكاح لما كمل. وقال صاحب "البحر الرائق": وعدة الوفاة إنما وجبت لإظهار الحزن على فوات زوج عاشرها إلى الموت. أما عدة الأمة، فقال ابن القيم : والمقصود أن الصحابة نصفوا ذلك قياسا على تنصيف الله سبحانه الحد على الأمة. والحكمة في ذلك أن النعمة بها على الزوج لم تكن كاملة؛ إذ هي مملوكة لغيره، وأقل رتبة في نفسه، والرغبة في إتيان الولد منها أقل من الحرة؛ إذ الولد منها يتبع أمه في الرق، لذا قال الإمام أحمد : إذا تزوج الحر بالأمة رق نصفه. كما أنها ليست صافية للزوج؛ إذ لا يجوز له السفر بها بدون إذن سيدها. وقال منصور البهوتي في "منتهى الإرادات": (فليس له) أي الزوج سفر بها بلا إذن سيدها لما فيه من تفويت منفعتها نهارا على سيدها. فلأجل هذا وغيره خفف عنها في العدة كما خفف عنها في حد الزنا. والله أعلم.