السؤال
أعيش في أمريكا، وسألت شيخ المسجد، وهو ذو علم كثير في الدين عن غض البصر، فقال لي إنه يسمح بالنظر إلى المرأة الكافرة غير المحجبة بشرطين: أن يكون النظر بغير شهوة، وأن يكون لحاجة، لكنني قرأت في الفتاوى عندكم أنه لا يحل النظر إلى الكافرة غير المحجبة إلا نظرة الفجاءة؛ سواء لحاجة أو لأي شيء آخر، فهل آخذ برأي الشيخ أم برأيكم؟ وإذا أخذت برأيكم، وأنا سآخذ برأيكم ـ إن شاء الله ـ فماذا أقول للمرأة الكافرة غير المحجبة عندما أغض بصري عنها كي لا أكون فتنة للكفار؟ أرجوكم إعطائي جملة أقولها للكفار كي لا أكون فتنة. فمثلا لو قلت لهم إن الإسلام يمنع هذا العمل فقط ولم أزد عليه، فهل يكفي ذلك؟ مع العلم أنني لن أقول الحكمة كل مرة، فساعدوني كي لا أكون فتنة، فأنا أضع رأسي في الأرض محاولا غض البصر، والكفار ينظرون إلي، ولم أقل لهم إن الإسلام يأمر بهذا، والمعروف هنا والله أعلم أن الشخص الذي يعمل كما أعمل مشبوه وهو مذنب. وبالتالي، فهي فتنة لهم، لأنني لا أقول لهم لماذا أضع رأسي في الأرض.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما الفتوى التي نقلتها عن إمام المسجد فهي مأخوذة مما ذكر عن مذهب سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ وقد نقله عنه ابن كثير في تفسيره، فقال: روي عن سفيان الثوري أنه قال: لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة، وإنما نهى عن ذلك لخوف الفتنة لا لحرمتهن! واستدل بقوله تعالى: ونساء المؤمنين ـ وقوله: ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين. اهـ.
وقد سبق لنا نقله والجواب عنه في الفتوى رقم: 47076، بكون هذا لا تعارض به الأدلة الصريحة الثابتة، ولا تقيد به الأدلة المطلقة، وهذا على فرض ثبوته عن سفيان ـ رحمه الله ـ وإلا فثبوته يحتاج إلى نظر وبحث، وابن كثير رحمه الله قد ذكره بصيغة التمريض.
وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 115776، 47730، 54169.
وقال العلامة ابن القطان الفاسي في كتابه إحكام النظر في أحكام النظر بحاسة البصر: مسألة: فإن كانت هذه الأجنبية الحرة كافرة، هل هي في جواز نظر الرجال إليها كالمؤمنة؟ أو أقل حرمة؟ يظهر في ذلك: مثل المؤمنة، ولا أعرف خلاف ذلك، وإنما وجب أن تكون مثلها لتساويها في تحريك الشهوة، وتعرض الناظر إليها للفتنة، بل ربما كانت النفس بما تعلم من هوى من لا وازع له، أسرع إلى الافتتان بها. اهـ.
وأما الحكمة من الأمر بغض البصر: فراجع في بيانها الفتوى رقم: 149791، وهي تتلخص في قوله تعالى: ذلك أزكى لهم ـ بعد أن أمر بغض البصر فقال: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم {النور: 30}.
قال المراغي في تفسيره: ذلك أزكى لهم ـ أي ما ذكر من غض البصر وحفظ الفرج أطهر من دنس الريبة وأنفع دينا ودنيا، فقد قالوا: النظر بريد الزنا ورائد الفجور، ولله در شاعرهم:
كل الحوادث مبداها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فعلت في قلب فاعلها ... فعل السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء مادام ذا عين يقلبها ... في أعين العين موقوف على الخطر
يسر ناظره ما ضر خاطره ... لا مرحبا بسرور عاد بالضرر. اهـ.
وقال الزحيلي في التفسير المنير: قال تعالى مبينا حكمة الأمر بالحكمين: ذلك أزكى لهم ـ أي إن غض البصر وحفظ الفرج خير وأطهر لقلوبهم، وأنقى لدينهم، كما قيل: من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته، أو في قلبه ـ وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة، ثم يغض بصره، إلا أخلف الله له عبادة يجد حلاوتها ـ وروى الطبراني عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم، من تركه مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه ـ وأزكى الذي هو أفعل التفضيل للمبالغة في أن غض البصر وحفظ الفرج يطهران النفوس من دنس الرذائل، والمفاضلة على سبيل الفرض والتقدير، أو باعتبار ظنهم أن في النظر نفعا. اهـ.
والله أعلم.