السؤال
هل معنى الآية: فأعقبهم نفاقا... أنه ليس من توبة ولا عفو لي إن كنت من هذا الصنف؟ فقد حدث لي وأنا صغير أن نذرت نذرا أن أتصدق إن حدث ما أريد... وقد حدث بعض ما أريد، وعندما استفتيت أحدهم أخبرني بأنه حتى لو حدث بعض المرجو وليس كله، فإنه يجب الوفاء بالنذر،
وكنت وقتها صغيرا، واستعظمت وقتها المبلغ الذي سأخرجه، فلم أفعل، كما أنني كثيرا ما أخلفت الوعد مع الله، فأتوب وأرجع كثيرا من الذنوب؛
حتى أصبحت الآن لا أشعر بالندم على الذنوب، حيث أتوب منها، ولكنني لا ألبث أن أعود، لأنني أشعر أن قلبي متعلق بالذنب، وأشعر أن عندي بعضا من صفات المنافقين، فماذا أفعل؟ أنا شبه فاقد للأمل بسبب هذه الآية الكريمة.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمادام هذا النذر صدر منك قبل بلوغك، فلا يلزمك الوفاء به، لحديث: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يحتلم. رواه أحمد.
وقال العلامة خليل المالكي في المختصر: النذر التزام مسلم مكلف.
وفي مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: أن ابن القاسم قال: ولا اختلاف أعلمه أن الصبي لا يلزمه بعد بلوغه ما نذره على نفسه قبل بلوغه، إلا أنه يستحب له الوفاء به. انتهى.
وأما ما عاهدت الله عليه بعد البلوغ على وجه الالتزام به، فيعتبر نذرا يجب الوفاء به، قال الله تعالى: وليوفوا نذورهم {الحج:29}.
وقال تعالى: وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم {النحل:91}.
وأثنى الله على من صدق وعده ووفى بنذره، فقال الله تعالى: والموفون بعهدهم إذا عاهدوا {البقرة:177}.
وقال تعالى: يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا {الإنسان:7}.
وذم الله سبحانه، الناكل عن الوفاء بعهده فقال: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون {التوبة:75ـ77}.
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: إذا قال: إن سلمني الله تصدقت، أو لأتصدقن، فهو وعد وعده الله، فعليه أن يفي به، وإلا دخل في قوله: فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون { التوبة: 77} فوعد العبد ربه نذر يجب عليه أن يفي له به، فإنه جعله جزاء وشكرا له على نعمته عليه، فجرى مجرى عقود المعاوضات لا عقود التبرعات، وهو أولى باللزوم من أن يقول ابتداء: لله علي كذا، فإن هذا التزام منه لنفسه أن يفعل ذلك، والأول تعليق بشرط وقد وجد، فيجب فعل المشروط عنده، لالتزامه له بوعده، فإن الالتزام تارة يكون بصريح الإيجاب، وتارة يكون بالوعد، وتارة يكون بالشروع، كشروعه في الجهاد والحج والعمرة، والالتزام بالوعد آكد من الالتزام بالشروع، وآكد من الالتزام بصريح الإيجاب، فإن الله سبحانه ذم من خالف ما التزمه له بالوعد، وعاقبه بالنفاق في قلبه، ومدح من وفى بما نذره له، وأمر بإتمام ما شرع فيه له من الحج والعمرة، فجاء الالتزام بالوعد آكد الأقسام الثلاثة، وإخلافه يعقب النفاق في القلب. اهـ.
ولكن التوبة من ذلك مقبولة ـ إن شاء الله ـ إن تبت توبة صادقة مستوفية الشروط، كما هو الحال في شأن العصاة والفساق والمنافقين والكفار، فقد شرع الله التوبة من النفاق ورغب فيها وبين قبولها إن صدق صاحبها فيها وأقلع عن النفاق وأعماله، فقد قال تعالى: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما {النساء: 145ـ 146 }.
وما في الآية يعتبر عقابا لتلك الطائفة من المنافقين: فقد منعهم الله التوبة كما منعها إبليس، فقد ذكر ابن حجر: أن ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله ـ الآية، قال: هؤلاء صنف من المنافقين، فلما آتاهم ذلك بخلوا، فأعقبهم بذلك نفاقا إلى يوم يلقونه، ليس لهم منه توبة ولا مغفرة ولا عفو، كما أصاب إبليس حين منعه التوبة. انتهى.
والله أعلم.