السؤال
أرجو تفسير الآية من سورة الأنبياء ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ...) وذلك على ضوء العلوم الحديثة، وبتفسير علمي ، جزاكم الله خيرا.
أرجو تفسير الآية من سورة الأنبياء ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب ...) وذلك على ضوء العلوم الحديثة، وبتفسير علمي ، جزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقبل أن نتطرق إلى ما ذكره المفسرون حديثا ينبغي أن نبدأ باختصار بمجمل ما ذكره المفسرون قديما في معنى هذه الآية الكريمة؛ فهذه الآية جاءت في سياق حديث القرآن الكريم عن أحوال الكافرين والمؤمنين في الآخرة، وحال السماء فيها.. ومجمل ما ذكروه فيها.. أن يوم القيامة إذا جاء وحدث الانقلاب الهائل للكون يفزع الناس لذلك؛ لكن الذين سبقت لهم الحسنى من الله تعالى لا يحزنهم ذلك الفزع، ولا يصيبهم شيء من تلك الأهوال.. وفي ذلك اليوم يطوي الله تعالى بقدرته السماوات كما تطوى الصحيفة، وكما بدأ الله تعالى الكون -وهو لم يكن شيئا كذلك- يعيد خلقه من جديد، وهو القادر عليه، وذلك واجب الوقوع؛ لأنه من جملة ما وعد الله به، وما وعد الله به لا بد أن يقع، لأن الله تعالى لا يخلف وعده أبدا. وأما معنى الآية الكريمة على ضوء العلوم الحديثة فنذكر طرفا منه ملخصا من كلام العالم المسلم الدكتور زغلول النجار حيث يقول: إن الله تعالى سوف يطوي صفحة هذا الكون جامعا كل ما فيها من صور مختلف المادة والطاقة والزمان والمكان على هيئة جرم ابتدائي ثان (رتق ثان) شبيه تماما بالجرم الابتدائي الأول (الرتق الأول) الذي نشأ عن انفجاره الكون الراهن، وأن هذا الجرم الثاني سوف ينفجر بأمر الله تعالى كما انفجر الجرم الأول، وسوف يخلق الله تبارك وتعالى في هذا الانفجار أرضا غير أرضنا الحالية وسماوات غير السماوات التي تظلنا، كما وعد سبحانه وتعالى، ومن هنا تبدأ الحياة الأخرى ولها من السنن والقوانين ما يغاير سنن الحياة الدنيا؛ فهي خلود بلا موت.. كما قال تعالى: (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار)[إبراهيم:48]. ومما ذكره الدكتور النجار لتوضيح هذا المعنى قوله: .. ويعتبر مجال الخلق وإفناؤه وإعادة خلقه من المجالات الغيبية التي لا يستطيع الإنسان أن يصل فيها إلى تصور صحيح بغير هداية ربانية، وتتعدد النظريات حول هذا الموضوع بتعدد خلفية واضعيها العقدية والثقافية والتربوية والنفسية.. ويبقى للمسلم في هذا المجال نور من الخالق سبحانه وتعالى في آية من كتابه الكريم، أو في حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمكن أن يعينه على الارتقاء بإحدى تلك النظريات إلى مقام الحقيقة لمجرد الإشارة إليها من هذين المصدرين من وحيي السماء اللذين حفظا بحفظ الله تعالى لهما وباللغة التي نزلا بها. والقرآن الكريم الذي يقرر أن أحدا من الإنس والجن لم يشهد خلق السماوات والأرض هو الذي يأمرنا بالنظر والتأمل في قضية الخلق (خلق السماوات والأرض والإنسان والحياة) بعين الاعتبار، فيقول جل وعلا: (أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء)[الأعراف:185]. ويقول جل وعلا: (أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير * قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير)[العنكبوت:19، 20]. وبالنظر في السماء توصل علماء الفلك والكيمياء الفلكية إلى عدد من النظريات المفسرة لنشأة الكون وإفنائه.. وأكثر هذه النظريات قبولا في الأوساط العلمية اليوم نظريتان: نظرية الانفجار العظيم، ونظرية الانسحاق العظيم، وكلتاهما تستند إلى عدد من الحقائق العلمية المشاهدة. وبعد أن ذكر الدكتور النجار بعض الحقائق العلمية التي تؤيد هاتين النظريتين ذكر عددا من النظريات الأخرى التي تتحدث عن بدء الخلق وفنائه وأدلتها العلمية، لكنه تتبعها وفندها الواحدة تلو الأخرى. ثم قال: ونحن المسلمين نرتقي بنظرية الانفجار العظيم في بدء الخلق وتمدد الكون واتساعه إلى الحقيقة واليقين، وذلك لورود الإشارات الواضحة إليها في كتاب الله تعالى، ففيها يقول الله تبارك وتعالى: (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون)[الأنبياء:30]. وفي تمدد الكون واتساعه يقول تعالى: (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون)[الذريات:47]. وعملية الانفجار العظيم هذه ناشئة عن انفجار جرم واحد متناه في ضآلة الحجم إلى ما يقرب من الصفر أو العدم، ومتناه في ضخامة القوة والحرارة إلى الحد الذي تتوقف عنده الفيزياء النظرية، وهذا الجرم انفجر بأمر الله تعالى فنشر مختلف صور الطاقة والمادة الأولية للكون في كل اتجاه، وتخلقت من تلك الطاقة المادية الأولية، ومن المواد الأولية تخلقت العناصر على مراحل متتالية، وبدأ الكون في اتساع.. ومع اتساعه تعاظم كل من الزمان والمكان.. وخلقت من ذلك الأجرام وما يملأ المسافات بينهما في صور مختلف المادة والطاقة.. وظل الكون في التمدد والتوسع منذ لحظة الانفجار إلى يومنا هذا، وإلى ما شاء الله تعالى. وأما نظرية الانسحاق العظيم أو الهائل فهي عملية معاكسة لعملية الانفجار الكوني الكبير تماما، فمع طول الوقت وتباطؤ سرعة التوسع الكوني مع الزمن، تتفوق قوة الجاذبية على قوة الدفع، فتأخذ المجرات في الاندفاع إلى مركز الكون بسرعة فائقة مكتسحة ما بينها من مختلف أنواع المادة والطاقة، فينكمش الكون ويتكدس على ذاته ويطوى كل من الزمان والمكان حتى تتلاشى كل الأبعاد وتتجمع المادة والطاقة المنتشرة في أرجاء الكون في نقطة واحدة متناهية في الضآلة تكاد تصل إلى الصفر أو العدم، ومتناهية في الكثافة والحرارة إلى الحد الذي تتوقف عنده كل قوانين الفيزياء المعروفة، أي يعود الكون إلى حالته الأولى؛ (مرحلة الرتق). ثم يقول الدكتور النجار : ونحن المسلمين نرتقي بهذه النظرية أيضا إلى مقام الحقيقة، وذلك لورود إشارات إليها في كتاب الله تعالى، فمن ذلك ما جاء في سورة الأنبياء: (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين)[الأنبياء:104]. ولا يستطيع أحد كائنا من كان - بعد ذلك - أن يتوقع شيئا وراء ذلك الغيب المستقبلي المكنون بغير بيان من الله تعالى الخالق العليم، وهو سبحانه وتعالى يخبرنا عن ذلك فيقول: (يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار)[إبراهيم:48]. وذلك بعد الانفجار الثاني أو الفتق الثاني، كي تبدل الأرض غير الأرض الحالية، والسماوات غير السماوات الحالية، وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة (كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين)[الأنبياء:104]. وهذه الآيات هي التي تحسم الجدل الدائر بين العلماء في أمر من أمور الغيب حار فيه علماء الفلك والفيزياء الفلكية قديما وحديثا. ومن عجائب القرآن التي لا تنقضي أن تأتي الإشارة إلى هاتين النظريتين "نظرية الانفجار العظيم، ونظرية الانسحاق العظيم" في سورة واحدة هي سورة الأنبياء. فسبحان من أنزل القرآن الكريم على عبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وسبحان القائل في محكم كتابه: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)[فصلت:53]. والله أعلم.