السؤال
أريد أن أسأل عن التحبيس، هل هو جائز شرعا أم لا، وكيف يتم التصرف في التركة بعد وفاة المرحوم الذي قام بالتحبيس؟ علما بأن التحبيس قد تم منذ عدة سنين وقام الآباء الجدد بالمشي على نفس الشيء، أي أنهم تمشوا مع وصية الجد الأكبر الذي قام بالتحبيس، علما بأن الشيء المحبس هو قطعة أرض، والتحبيس على الذكور دون الإناث جيلا بعد جيل، وإن انقطع الذكور من العائلة الأصلية تعود الميراث إلى أبناء عم العائلة من الذكور من أبناء عمومتهم .... أفيدونا جزاكم الله خيرا الرجاء في أسرع وقت.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالتحبيس هو الوقف، والمراد تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة أوالغلة، وهو قربة نافعة، وصدقة جارية، يستمر أجرها بعد وفاة المتصدق. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. رواه مسلم.
وروى ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم: إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه. ومصحفا ورثه، أو مسجدا بناه أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته. يلحقه بعد موته.
ويجب العمل بشرط الواقف ولا تجوز مخالفته، ومن ذلك لو وقف مالا على الذكور من ذريته دون الإناث، وإن كان الأولى ألا يحرم الإناث.
قال ابن قدامة في المغني: والمستحب أن يقسم الوقف على أولاده على حسب قسمة الله تعالى الميراث بينهم، للذكر مثل حظ الأنثيين.
إلى أن قال: فإن خالف فسوى بين الذكر والأنثى، أو فضلها عليه، أو فضل بعض البنين أو بعض البنات على بعض، أو خص بعضهم بالوقف دون بعض. فقال أحمد في رواية محمد بن الحكم: إن كان على طريق الأثرة فأكرهه، وإن كان على أن بعضهم له عيال وبه حاجة يعني فلا بأس به. ووجه ذلك أن الزبير خص المردودة من بناته دون المستغنية منهن بصدقته، وعلى قياس قول أحمد، لو خص المشتغلين بالعلم من أولاده بوقفه، تحريضا لهم على طلب العلم، أو ذا الدين دون الفساق، أو المريض أو من له فضل من أجل فضلية فلا بأس. وقد دل على صحة هذا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه نحل عائشة رضي الله عنها جذاذ عشرين وسقا دون سائر ولده، وحديث عمر أنه كتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به عبد الله أمير المؤمنين، إن حدث به حدث أن ثمغا وصرمة بن الأكوع والعبد الذي فيه والمائة سهم التي بخيبر ورقيقه الذي فيه والمائة الذي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالوادي تليه حفصة ما عاشت، ثم يليه ذو الرأي من أهلها أن لا يباع ولا يشترى ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم وذي القربى ولا حرج على من وليه إن أكل أو آكل أو اشترى رقيقا منه. رواه أبو داود. وفيه دليل على تخصيص حفصة دون إخوتها وأخواتها. انتهى من المغني.
والحاصل أن الوقف المسؤول عنه صحيح، وأنه يجب التقيد بشرط الواقف، فإن انقطع الذكور من العائلة الأصلية، انتقل الوقف إلى أبناء عم العائلة من الذكور، لما ذكر الواقف. وإن أشكل عليكم شيء من ذلك فينبغي مراجعة المحكمة الشرعية عندكم.
والله أعلم.