السؤال
ما صحة هذه القصة عن عمر: سأل عمر بن الخطاب عن رجل ما إذا كان أحد الحاضرين يعرفه، فقام رجل وقال: أنا أعرفه يا أمير المؤمنين، فقال عمر: لعلك جاره، فالجار أعلم الناس بأخلاق جيرانه؟ فقال الرجل: لا، فقال عمر: لعلك صاحبته في سفر، فالأسفار مكشفة للطباع؟ فقال الرجل: لا، فقال عمر: لعلك تاجرت معه، فعاملته بالدرهم والدينار، فالدرهم والدينار يكشفان معادن الرجال؟ فقال الرجل: لا، فقال عمر: لعلك رأيته في المسجد يهز رأسه قائما وقاعدا؟ فقال الرجل: أجل، فقال عمر: اجلس، فإنك لا تعرفه؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا الخبر ذكره بمعناه الحكيم الترمذي في أدب النفس فقال: وما جاء عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ حدثنا بذلك صالح بن محمد، قال: حدثنا القاسم العمري، عن عاصم بن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه: أن رجلا أثنى على رجل عند عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال: صحبته في سفر؟ فقال: لا، قال: فأتمنته على شيء؟ قال: لا، قال: ويحك! لعلك رأيته يخفض ويرفع في المسجد.
وبنحو هذا ذكره ابن قتيبة في عيون الأخبار، فقال: وحدثني أبو حاتم، عن الأصمعي، عن العمري قال: قال رجل لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: إن فلانا رجل صدق، قال: سافرت معه؟ قال لا، قال: فكانت بينك وبينه خصومة؟ قال لا، قال: فهل ائتمنته على شيء؟ قال لا، قال: فأنت الذي لا علم لك به، أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد!.
وذكر هذه القصة محتجا بها شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في بعض كلامه، فقال ما عبارته: والمقصود أن ما في القلوب من قصد الصدق، والمحبة، والبر، ونحو ذلك، قد يظهر على الوجه حتى يعلم ذلك علما ضروريا من أبلغ العلوم الضرورية، وكذلك ما فيها من قصد الكذب، والبغض، والفجور، وغير ذلك، والإنسان يرافق في سفره من لم يره قط إلا تلك الساعة، فلا يلبث إذا رآه مدة، وسمع كلامه أن يعرف هل هو مأمون يطمئن إليه؟ أو ليس كذلك؟ وقد يشتبه عليه في أول الأمر، وربما غلط، لكن العادة الغالبة أنه يتبين ذلك بعد لعامة الناس، وكذلك الجار يعرف جاره، والمعامل يعرف معامله؛ ولهذا لما شهد عند عمر بن الخطاب رجل، فزكاه آخر، قال: هل أنت جاره الأدنى تعرف مساءه وصباحه؟ قال: لا، قال: هل عاملته في الدرهم والدينار الذين تمتحن بهما أمانات الناس؟ قال: لا، قال: هل رافقته في السفر الذي ينكشف فيه أخلاق الناس؟ قال: لا، قال: فلست تعرفه، وروي أنه قال: لعلك رأيته يركع ركعات في المسجد. انتهى.
والله أعلم.