السؤال
هل تتفقون معي في أن قول الله تعالى: ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر... جاء مطلقا دون تقييد، فكما أن للمسافر رخصة الإفطار لا لشيء إلا لأنه على سفر رحمة من الله تعالى به، فكذلك يكون للمريض نفس حكم السفر دون تفرقة بين الحالتين، لأن الله لم يفرق بينهما، إذ تكون له رخصة الإفطار حال مرضه دون أي قيد، لا كما يزعم أغلب من يفتون حين يشترطون أن يكون الإفطار بتوصية الطبيب المسلم إذا رأى أن الصيام قد يضر بالمريض، فمن أين أتوا بهذا؟ ولماذا يضعون قيدا لم تأت به الآية؟ ولماذا لا يكون الله تعالى برحمته بعباده قد أباح للمريض والمسافر الإفطار حتى لا يجتمع على العبد مشقة الصوم ومشقة المرض أو مشقة السفر، ولذلك قال تعالى: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنحن لا نتفق معك فيما ذكرته، فإنه مخالف لقول الجماهير من العلماء، وزيادة للإيضاح نقول: إنه قد ذهب بعض السلف إلى مثل ما ذكرته محتجين بنحو ما احتججت به، ومال إلى ترجيح هذا القول القرطبي في تفسيره حاكيا إياه عن ابن سيرين، وأبى ذلك الجمهور فرأوا أن المرض المبيح للفطر هو ما يزيد بالصوم، أو يتباطأ برؤه، وكان فيه مشقة على الصائم.
وقد ذكر ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني هذه المسألة وبين الخلاف فيها وحجج الفريقين، وأجاب عن نحو تلك الحجة التي ذكرتها بما عبارته: المرض المبيح للفطر هو الشديد الذي يزيد بالصوم، أو يخشى تباطؤ برئه، قيل لأحمد: متى يفطر المريض؟ قال: إذا لم يستطع، قيل: مثل الحمى؟ قال: وأي مرض أشد من الحمى، وحكي عن بعض السلف أنه أباح الفطر بكل مرض، حتى من وجع الإصبع والضرس، لعموم الآية فيه، ولأن المسافر يباح له الفطر وإن لم يحتج إليه، فكذلك المريض، ولنا أنه شاهد للشهر، لا يؤذيه الصوم، فلزمه، كالصحيح، والآية مخصوصة في المسافر والمريض جميعا، بدليل أن المسافر لا يباح له الفطر في السفر القصير، والفرق بين المسافر والمريض، أن السفر اعتبرت فيه المظنة، وهو السفر الطويل، حيث لم يمكن اعتبار الحكمة بنفسها، فإن قليل المشقة لا يبيح، وكثيرها لا ضابط له في نفسه، فاعتبرت بمظنتها، وهو السفر الطويل، فدار الحكم مع المظنة وجودا وعدما، والمرض لا ضابط له، فإن الأمراض تختلف، منها ما يضر صاحبه الصوم، ومنها ما لا أثر للصوم فيه، كوجع الضرس، وجرح في الإصبع، والدمل، والقرحة اليسيرة، والجرب، وأشباه ذلك، فلم يصلح المرض ضابطا، وأمكن اعتبار الحكمة، وهو ما يخاف منه الضرر، فوجب اعتباره. انتهى.
والذي نقرره ونفتي به هو مذهب الجماهير.
والله أعلم.