السؤال
الآية 18 من سورة الإسراء: من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ـ ما المقصود بها؟ كنت أتهاون في أداء الصلاة في وقتها، وأتكاسل عن قراءة القرآن، وعن أداء الفرائض بشكل سليم، وبعد أن وقعت لي مشكلة عدت إلى الله، وصرت أؤدي الفرائض بشكل مقبول، وبعد كل صلاة أدعو الله أن يفرج عني، وأن يرزقني بالزوج الصالح عاجلا وليس آجلا، فهل بدعائي هذا أطلب الدنيا العاجلة ولا أبالي بالآخرة؟ وهل من يتحدث عنهم الله عز وجل في هذه الآية الكريمة أنا وأمثالي؟ وهل إذا استجاب لي الله ورزقني بزوج صالح في أقرب وقت سأكون في جهنم يوم القيامة؟ وماذا أفعل؟ وكيف أعرف نيتي؟ لا أستطيع النوم بسبب التفكير في هذا الأمر؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج على المرأة في سؤال الله تعالى أن يرزقها زوجا صالحا أو غيره من منافع الدنيا، فقد قال الله تعالى في دعوات أهل الإيمان: ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار {البقرة:201}.
ويدخل في حسنة الدنيا الزواج وغيره من المطالب الدنيوية، ففي تفسير ابن كثير: وقد كان السلف الصالح يسألون الله كل شيء حتى شسع النعل، امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليسأل أحدكم ربه حاجته حتى يسأله الملح، وحتى يسأله شسع نعله إذا انقطع ـ رواه الترمذي.
والآية التي ذكرت السائلة لا تحمل تهديدا ولا وعيدا لمن يسألون ربهم حوائجهم الدنيوية، ومعناها كما في تفسير الطبري: القول في تأويل قوله تعالى: من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا {الإسراء: 18} يقول تعالى ذكره من كان طلبه الدنيا العاجلة ولها يعمل ويسعى، وإياها يبتغي، لا يوقن بمعاد ولا يرجو ثوابا ولا عقابا من ربه على عمله: عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد {الإسراء: 18} يقول: يعجل الله له في الدنيا ما يشاء من بسط الدنيا عليه، أو تقتيرها لمن أراد الله أن يفعل ذلك به، أو إهلاكه بما يشاء من عقوباته: ثم جعلنا له جهنم يصلاها {الإسراء: 18} يقول: ثم أصليناه عند مقدمه علينا في الآخرة جهنم: مذموما {الإسراء: 18} على قلة شكره إيانا وسوء صنيعه فيما سلف من أيادينا عنده في الدنيا: مدحورا {الأعراف: 18}؟ يقول: مبعدا: مقصى في النار، وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. اهـ.
وفي ابن جزي: من كان يريد العاجلة ـ الآية في الكفار الذين يريدون الدنيا، ولا يؤمنون بالآخرة، على أن لفظها أعم من ذلك....
وفي تفسير ابن عطية: المعنى من كان يريد الدنيا العاجلة ولا يعتقد غيرها ولا يؤمن بآخرة فهو يفرغ أمله ومعتقده للدنيا، فإن الله يعجل لمن يريد من هؤلاء ما يشاء هذا المريد أو ما يشاء الله على قراءة من قرأ: نشاء ـ بالنون، وقوله: لمن نريد ـ شرط كاف على القراءتين، ثم يجعل الله جهنم لجميع مريدي العاجلة على جهة الكفر من أعطاه فيها ما يشاء ومن حرمه، قال أبو إسحاق الفزاري المعنى لمن نريد هلكته، وقرأ الجمهور: نشاء ـ بالنون، وقرأ نافع أيضا: يشاء ـ بالياء، و: المدحور ـ المهان المبعد المذلل المسخوط عليه. اهـ.
وفي فتح القدير للشوكاني: قوله: من كان يريد العاجلة ـ هذا تأكيد لما سلف من جملة كل إنسان ألزمناه ومن جملة من اهتدى والمراد بالعاجلة: المنفعة العاجلة أو الدار العاجلة، والمعنى: من كان يريد بأعمال البر أو بأعمال الآخرة ذلك، فيدخل تحته الكفرة والفسقة والمراؤون والمنافقون... اهـ.
فتوبي إلى الله عز وجل من التساهل في أداء الفرائض، واستقيمي على طاعته، وأكثري من الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، ولا تجعلي الدنيا هي أكبر همك.
والله أعلم.