السؤال
أحينا أكون مهمومة بأمر ما، فأقوم بترديد لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، والاستغفار ـ لتفريج همي، وقد قرأت مرة أنه لا يجوز ترديد الذكر لتحديد غاية، فما صحة ذلك؟
وجزاكم الله خيرا.
أحينا أكون مهمومة بأمر ما، فأقوم بترديد لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، والاستغفار ـ لتفريج همي، وقد قرأت مرة أنه لا يجوز ترديد الذكر لتحديد غاية، فما صحة ذلك؟
وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا حرج في ترديد الذكر والدعاء والاستغفار، فقد ثبت في السنة تكرار الدعاء ثلاث مرات، كما ثبتت الزيادة على ذلك أحيانا، ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان، فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر، لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة، فجاءت وهي جويرية، فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، رفع صوته، ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا، ثم قال: اللهم، عليك بقريش، ثلاث مرات، فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته، ثم قال: اللهم، عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط ـ وذكر السابع ولم أحفظه، فوالذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب: قليب بدر...
قال النووي رحمه الله: فيه استحباب تكرير الدعاء ثلاثا. انتهى.
وروى الإمام أحمد في المسند عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يدعو ثلاثا ويستغفر ثلاثا. صححه محققو طبعة مؤسسة الرسالة، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: تكرار الدعاء أمر مطلوب، كلما كرر الإنسان الدعاء كان ذلك أفضل، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا دعا دعا ثلاثا، هذا في غالب الأحيان، وعلى هذا فتكرار الدعاء لا بأس به، لأن الدعاء عبادة لله عز وجل، وليعلم أن الداعي بصدق وإخلاص لابد أن يغنم: إما أن يستجيب الله تعالى له ما أراد، وإما أن يدفع عنه من السوء ما هو أعظم، وإما أن يدخر له الأجر يوم القيامة، لأن الدعاء عبادة، فلابد فيه من خير. انتهى.
وقد ثبت عنه أنه دعا مرة خمس مرات، وذلك حين دعا بالبركة لقبيلة أحمس، كما في حديث جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: برك النبي صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات. رواه البخاري ومسلم.
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ في معرض تعداد فوائد هذا الحديث: وأنه كان يدعو وترا، وقد يجاوز الثلاث، وفيه تخصيص لعموم قول أنس: كان إذا دعا دعا ثلاثا ـ فيحمل على الغالب، وكأن الزيادة لمعنى اقتضى ذلك، وهو ظاهر في أحمس، لما اعتمدوه من دحض الكفر ونصر الإسلام، ولا سيما مع القوم الذين هم منهم، بل جاء في حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كرر دعاءه. انتهى.
وكذلك ورد تكرار الدعاء سبع مرات في أكثر من حديث، منها ما جاء عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما استجار عبد من النار سبع مرات في يوم إلا قالت النار: يا رب! إن عبدك فلانا قد استجارك مني فأجره، ولا يسأل الله عبد الجنة في يوم سبع مرات إلا قالت الجنة: يا رب! إن عبدك فلانا سألني فأدخله.
رواه أبو يعلى في المسند، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرار: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه الله من ذلك المرض. رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
والله أعلم.