0 145

السؤال

ورد في كتاب الرد على من قال بفناء الجنة والنار، هذا الأثر عن أبي هريرة بسند صحيح، يفيد فناء النار. فما قولكم فيه؟
قال إسحاق، ثنا عبيد الله بن معاذ، ثنا أبي، ثنا شعبة، عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة، وعن أبي هريرة، قال: أما الذي أقول: "إنه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد، وقرأ: (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد)
الأثر أورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/478، عزاه لإسحاق بن راهويه عن أبي هريرة، وجاء بهامش الأصل مقابله ما نصه: "هذا الإسناد جيد، ويحيى بن أيوب، هو البجلي الجريري، من ولد جرير بن عبد الله، صدوق. وقال يحيى بن معين: ليس به بأس".
أقول (محقق الكتاب) = (محمد بن عبد الله السمهري): وقد قال ابن حجر عنه في "التقريب" "ترجمة 7510" لا بأس به. وباقي رجاله ثقات، فالحكم بأن هذا إسناد جيد، في محله.
وقد صححه الشيخ سليمان بن ناصر العلوان في كتابه: (الأدلة والبراهين لإيضاح المعتقد السليم والرد على المخالفين)

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد سبق لنا إجمال القول في هذه المسألة، في جواب عن سؤال سابق للسائل في الفتوى رقم: 356590.

ويفهم منها أن ما صح من آثار عن الصحابة في فناء النار، أنه ليس نصا في المسألة، وأنه يحتمل التأويل ليتوافق مع الأدلة المتكاثرة من الكتاب والسنة، وآثار الصحابة على بقاء الكفار في النار.

وطالما أن السائل قد اطلع على كتاب الشيخ سليمان العلوان: (الأدلة والبراهين لإيضاح المعتقد السليم والرد على المخالفين) فقد عرف الجواب عن هذا الأثر مفصلا!

وأهم ما فيه أن عبيد الله بن معاذ - شيخ إسحاق بن راهويه - قال بعده: كان أصحابنا يقولون: يعني به الموحدين. وهذا تأويل واضح للأثر إن صح.

وحسبك كلام الشيخ العلوان في تفصيل الجواب، حيث قال: هذا الأثر إسناده على شرط الشيخين، إلا يحيى بن أيوب فلم يخرجا له. وذكر العقيلي في كتاب الضعفاء بإسناده عن يحيى بن معين أنه قال عنه: (ضعيف). ونقل عن يحيى بن معين أنه وثقه. قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: (لا بأس به) وهذه من صيغ توثيق الرجل وقبوله، ولكنه في المرتبة الرابعة من المراتب التي ذكرها الحافظ في مقدمة كتابة تقريب التهذيب. فالذي يظهر لي أن هذا الأثر إسناده صحيح، ولكن جوابه من وجهين:

- الوجه الأول: أنه ليس فيه دلالة على فناء النار، بل هو محمول على الموحدين؛ للجمع بينه وبين الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم على عدم فناء النار. ولذلك قال عبيد الله: "كان أصحابنا يقولون يعني به الموحدين". فحمل هذا الأثر على الطبقة التي فيها عصاة المسلمين متعين؛ لأنه به يحصل الجمع بين الأدلة.

-الوجه الثاني: لو فرضنا أن هذا الأثر فيه دلالة على فناء النار، فهو قول صحابي، وهو ليس بحجة إذا خالف السنة الصحيحة، باتفاق العلماء، وهناك من الصحابة من أفتوا بعدم فناء النار، كما تقدم في ذكر الآثار عن الصحابة، وقول الصحابي على صحابي مثله ليس بحجة بالإجماع، كما نقل ذلك ابن عقيل وغيره، فكيف إذا خالف الكتاب والسنة؟! وقد ذكر الله التأبيد -أعني تأبيد الكفار في النار في ثلاثة مواضع: في سورة النساء في قوله تعالى: {إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا * إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا}. والثاني في سورة الأحزاب: {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا * خالدين فيها أبدا}. والثالث في سورة الجن في قوله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا}. والأحاديث في أبدية النار كثير جدا وقد تقم بعضها.

وهذا الأثر - أعني أثر أبي هريرة- لا دلالة فيه البتة على فناء النار، إنما قلنا ذلك على سبيل التنزل، وقد قال الخازن في تفسيره، على أثر أبي هريرة وابن مسعود المتقدم: (وهذا إن صح عن ابن مسعود وأبي هريرة فمحمول عند أهل السنة على إخلاء أماكن المؤمنين الذين استحقوا النار بعد إخراجهم منها؛ لأنه ثبت بالدليل الصحيح القاطع إخراج جميع الموحدين، وخلود الكافرين فيها..) ..

وتقدم كلام البغوي على هذا الأثر - حيث قال في تفسيره: (معناه عند أهل السنة -إن ثبت- أن لا يبقى فيها أحد من أهل الإيمان، وأما مواضع الكفار فممتلئة أبدا)

وبعد هذا البيان، يتضح للقارئ أنه لم يصح شيء عن الصحابة في فناء النار، فنسبة القول إليهم بفناء النار خطأ قطعا، يجب إنكاره والذب عن الصحابة الأخيار أن ينسب إليهم ما لم يقولوه.

قال صاحب كتاب الزواجر: (لم يصح عنهم -يعني الصحابة- من ذلك شيء، وعلى التنزل فمعنى كلامهم كما قاله العلماء: ليس فيها أحد من عصاة المؤمنين، أما مواضع الكفار فهي ممتلئة بهم لا يخرجون عنها أبدا؛ كما ذكره الله في آيات كثيرة). انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة