السؤال
لماذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بصيام يوم عاشوراء، شكرا لله على نجاة موسى، ولم يأمر بصيام اليوم الذي هبط فيه نوح على الجودي ونجا هو وقومه من الطوفان، أو صيام اليوم الذي نجا فيه إبراهيم عليه السلام من النار، أو صيام اليوم الذي رفع الله فيه عيسى إلى السماء؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكون يوم عاشوراء هو اليوم الذي نجى الله فيه موسى من فرعون: أمر ثابت بالسنة الصحيحة، وأما يوم استواء سفينة نوح ويوم خروجه منها، ويوم نجاة الخليل إبراهيم من النار، ويوم رفع عيسى إلى السماء، فلا يعرف من وجه صحيح، وبالتالي لا يمكن تحديده أصلا، فكيف يقال باستحباب صيام أيام لا يثبت تحديدها من وجه صحيح؟! هذا أولا.
وثانيا: قد روي في تحديد هذه الوقائع وغيرها مما يشابهها أنها وقعت في يوم عاشوراء أيضا، وبالتالي يزول أصل السؤال، ولكن هذا التحديد لا يصح مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما روي بإسناد تالف عن أبي هريرة مرفوعا: إن الله عز وجل افترض على بني إسرائيل صوم يوم في السنة يوم عاشوراء ... فصوموه؛ فإنه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم، وهو اليوم الذي رفع الله فيه إدريس مكانا عليا، وهو اليوم الذي نجى فيه إبراهيم من النار، وهو اليوم الذي أخرج فيه نوحا من السفينة، وهو اليوم الذي أنزل الله فيه التوراة على موسى، وفيه فدى الله إسماعيل من الذبح، وهو اليوم الذي أخرج الله يوسف من السجن، وهو اليوم الذي رد الله على يعقوب بصره، وهو اليوم الذي كشف الله فيه عن أيوب البلاء، وهو اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت، وهو اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل، وهو اليوم الذي غفر الله لمحمد ذنبه ما تقدم وما تأخر، وفي هذا اليوم عبر موسى البحر، وفي هذا اليوم أنزل الله تعالى التوبة على قوم يونس ... ". وذكر فيه أشياء أخرى عجيبة!! أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات، وقال: هذا حديث لا يشك عاقل في وضعه، ولقد أبدع من وضعه وكشف القناع ولم يستحي ... ... ولو ناقشناه على شيء بعد شيء لطال، وما أظنه إلا دس في أحاديث الثقات، وكان مع الذي رواه نوع تغفل، ولا أحسب ذلك إلا في المتأخرين. اهـ.
وقال السيوطي في اللآلئ المصنوعة: موضوع. ورجاله ثقات، والظاهر أن بعض المتأخرين وضعه، وركبه على هذا الإسناد. اهـ.
وذكر ذلك ابن عراق في تنزيه الشريعة ثم قال: قال الذهبي: أدخل على أبي طالب العشاري، فحدث به بسلامة باطن، وفي سنده أبو بكر النجار وقد عمى بأخرة. وجوز الخطيب أن يكون أدخل عليه شيء، فيحتمل أن يكون هذا مما أدخل عليه. اهـ.
وأجود إسنادا من هذا، ما رواه الإمام أحمد في مسند من حديث أبي هريرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود وقد صاموا يوم عاشوراء فقال: ما هذا من الصوم؟ فقالوا: هذا اليوم الذي نجى الله موسى وبني إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي، فصام نوح وموسى شكرا لله عز وجل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أحق بموسى، وأحق بصوم هذا اليوم. فأمر أصحابه بالصوم.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: فيه حبيب بن عبد الله الأزدي، لم يرو عنه غير ابنه. اهـ.
قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: وقال قتادة وغيره: ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب، فساروا مائة وخمسين يوما واستقرت بهم على الجودي شهرا. وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم، وقد روى ابن جرير خبرا مرفوعا يوافق هذا، وأنهم صاموا يومهم ذلك. اهـ. ثم ذكر الحديث السابق من مسند أحمد.
وعن عبد العزيز بن سعيد عن أبيه -وكانت له صحبة- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رجب شهر عظيم - فذكر حديثا في فضل شهر رجب، وفيه: - وفي رجب حمل الله نوحا في السفينة، فصام رجب وأمر من معه أن يصوموا، فجرت بهم السفينة سبعة أشهر أخر، ذلك يوم عاشوراء أهبط على الجودي، فصام نوح ومن معه والوحش شكرا لله عز وجل، وفي يوم عاشوراء فلق الله البحر لبني إسرائيل، وفي يوم عاشوراء تاب الله عز وجل على آدم صلى الله عليه وسلم وعلى مدينة يونس، وفيه ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
قال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الكبير، وفيه عبد الغفور، وهو متروك. اهـ.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف: يوم عاشوراء له فضيلة عظيمة وحرمة قديمة، وصومه لفضله كان معروفا بين الأنبياء عليهم السلام، وقد صامه نوح وموسى عليهما السلام، كما سنذكره إن شاء الله تعالى. وروي عن إبراهيم الهجري عن أبي عياض عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوم عاشوراء كانت تصومه الأنبياء؛ فصوموه أنتم" خرجه بقي بن مخلد في مسنده. وقد كان أهل الكتاب يصومونه، وكذلك قريش في الجاهلية كانت تصومه. اهـ.
وقال أيضا: صح من حديث ابن اسحاق عن الأسود بن يزيد قال: سألت عبيد بن عمير عن صيام يوم عاشوراء: فقال المحرم شهر الله الأصم: "فيه يوم تيب فيه على آدم؛ فإن استطعت أن لا يمر بك إلا صمته" ... وروى أبو موسى المديني بإسناده عن علي قال: "يوم عاشوراء هو اليوم الذي تيب فيه على قوم يونس" ... وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن رجل عن عكرمة قال: "هو يوم تاب الله فيه على آدم يوم عاشوراء" وروى عبد الوهاب الخفاف عن سعيد عن قتادة قال: "كنا نتحدث اليوم الذي تيب فيه على آدم يوم عاشوراء، وهبط فيه آدم إلى الأرض يوم عاشوراء" .. اهـ.
وعلى أية حال، فثبوت حدوث هذه الوقائع في يوم عاشوراء هو الأصل الذي تبنى عليه المسألة، وبصفة عامة فقد قال بعض أهل العلم باستحباب صيام الأيام التي تتجدد فيها نعم الله على عباده.
قال الحافظ ابن رجب: وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صيام يوم الاثنين: "ذاك يوم ولدت فيه، وأنزلت علي فيه النبوة" إشارة إلى استحباب صيام الأيام التي تتجدد فيها نعم الله على عباده ... ونظير هذا صيام يوم عاشوراء حيث أنجى الله فيه نوحا من الغرق، ونجى فيه موسى وقومه من فرعون وجنوده وأغرقهم في اليم، فصامه نوح وموسى شكرا لله، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم متابعة لأنبياء الله، وقال لليهود: "نحن أحق بموسى منكم" وصامه وأمر بصيامه. اهـ.
والله أعلم.