المقصود بالداء في حديث: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء

0 224

السؤال

هناك حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله أنزل مع كل داء دواء، إلا الهرم.
هل المقصود بالداء: الأمراض الجسدية؟ لأن من المعروف أن هنالك أمراضا غير جسدية، أو ليس لها خطر على الجسم لا علاج لها مثل التوحد، أو غيره من الآفات الدماغية. فهل هذه داخلة في معنى الحديث؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فالعموم الوارد في الحديث المشار إليه في السؤال، يقتضى وجود دواء لكل داء، بدنيا كان أو نفسانيا. ويحتمل أن يقيد ذلك بالأدواء القابلة للمعالجة، ولكن الظاهر هو إطلاق التعميم، فما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء، ولكن قد يعلم الناس هذا الدواء وقد يجهلونه، وإذا جهلوه في زمن، فقد يزول جهلهم بعد ذلك، فيعلمون ما كانوا يجهلون من أنواع العلاجات المناسبة لما استعصى عليهم من الأمراض قبل ذلك.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في شرح حديث أبي هريرة مرفوعا: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء".

قال: ووقع في رواية أبي عبد الرحمن السلمي، عن ابن مسعود نحو حديث الباب، وزاد في آخره: "علمه من علمه، وجهله من جهله" أخرجه النسائي وابن ماجة، وصححه ابن حبان والحاكم. ولمسلم عن جابر، رفعه: "لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى" ... وفيه الإشارة إلى أن الشفاء متوقف على الإصابة بإذن الله، وذلك أن الدواء قد يحصل معه مجاوزة الحد في الكيفية، أو الكمية فلا ينجع، بل ربما أحدث داء آخر. وفي حديث ابن مسعود الإشارة إلى أن بعض الأدوية لا يعلمها كل أحد ... ويدخل في عمومها أيضا: الداء القاتل الذي اعترف حذاق الأطباء بأن لا دواء له، وأقروا بالعجز عن مداواته. ولعل الإشارة في حديث ابن مسعود بقوله: "وجهله من جهله" إلى ذلك، فتكون باقية على عمومها. ويحتمل أن يكون في الخبر حذف تقديره: لم ينزل داء يقبل الدواء إلا أنزل له شفاء. والأول أولى. اهـ.
وما رجحه الحافظ هو ظاهر الحديث، وهو ما اختاره المحققون من أهل العلم.

قال الشيخ السعدي في بهجة قلوب الأبرار، عند شرح حديث أبي هريرة السابق: عموم هذا الحديث يقتضي: أن جميع الأمراض الباطنة والظاهرة لها أدوية تقاومها، تدفع ما لم ينزل، وترفع ما نزل بالكلية، أو تخففه. وفي هذا: الترغيب في تعلم طب الأبدان، كما يتعلم طب القلوب، وأن ذلك من جملة الأسباب النافعة. وجميع أصول الطب وتفاصيله شرح لهذا الحديث؛ لأن الشارع أخبرنا أن جميع الأدواء لها أدوية. فينبغي لنا أن نسعى إلى تعلمها، وبعد ذلك إلى العمل بها وتنفيذها. وقد كان يظن كثير من الناس أن بعض الأمراض ليس له دواء، كالسل ونحوه. وعندما ارتقى علم الطب، ووصل الناس إلى ما وصلوا إليه من علمه، عرف الناس مصداق هذا الحديث، وأنه على عمومه. اهـ.
وقال الشيخ حمزة قاسم في منار القاري، شرح مختصر صحيح البخاري: الحديث صريح في أنه ليس هناك أمراض مستعصية لا دواء لها، حتى هذه الأمراض المستعصية لها أدوية تؤثر فيها، وتقضي عليها، ولكن الأطباء لم يكتشفوها حتى الآن ... وبعض الأمراض لم تكتشف أدويتها حتى الآن، وقد دلت التجارب على صدق هذه القضية، فإن السل وبعض الأمراض الصدرية كانت تعد من الأمراض المستعصية، فلما اكتشف البنسلين أصبح من الأمراض العادية التي يسهل علاجها بإذن الله، سيما إذا كان في الدرجة الأولى أو الثانية. اهـ.
وفي قصة أيوب عليه السلام وشفائه بعد ما يئس منه الناس كلهم، دليل على ذلك، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 47935.
وقال القاري في المرقاة: واعلم أن في هذه الأحاديث تقوية لنفس المريض والطبيب، وحثا على طلب الدواء وتخفيفا للمريض، فإن النفس إذا استوثقت أن لدائها دواء يزيد قوى رجائها، وانبعث حارها الغريزي، فتقوى الروح النفسانية والطبيعية والحيوانية بقوة هذه الأرواح، تقوى القوى الحاملة لها فتدفع المرض وتقهره ... على أن الأدوية المعنوية كصدق الاعتماد على الله تعالى، والتوكل عليه، والخضوع بين يديه، وتفويض الأمر إليه، مع الصدقة والإحسان، والتفريج عن الكرب، أصدق فعلا وأسرع نفعا من الأدوية الحسية، لكن بشرط تصحيح النية، ومن ثم ربما يتخلف الشفاء عمن استعمل طب النبوة لمانع قام به من ضعف اعتقاد الشفاء به، وتلقيه بالقبول، وهذا هو السبب أيضا في عدم نفع القرآن الكثيرين، مع أنه شفاء لما في الصدور. اهـ.
 ومرض التوحد لا يخرج عما فصلناه، فإنه وإن كان علاجه التام لا يزال مجهولا، إلا أن الأبحاث الطبية الحديثة لا تزال تكشف عن أسبابه وطرق علاجه، حتى إن بعض حالاته تعالج حاليا عن طريق الحقن بالخلايا الجذعية.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات