السؤال
ما حكم الحائل اليسير على الوجه في التيمم، كحبة أو حبتي رمل مثلا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فجواب هذا السؤال مبني على اختلاف الفقهاء في مسألة استيعاب جميع بشرة الوجه بالمسح بالتراب، هل يجب في التيمم أم لا؟
فقد ذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي اختلافهم في فتح الباري، حيث قال -رحمه الله-: فمذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وجمهور العلماء: أنه يجب استيعاب بشرته بالمسح بالتراب، ومسح ظاهر الشعر الذي عليه، وسواء كان ذلك الشعر يجب إيصال الماء إلى ما تحته، كالشعر الخفيف الذي يصف البشرة، أم لا، هذا هو الصحيح.
وفي مذهبنا، ومذهب الشافعي وجه آخر: أنه يجب إيصال التراب إلى ما تحت الشعور التي يجب إيصال الماء إلى ما تحتها، ولا يجب عند أصحابنا إيصال التراب إلى باطن الفم والأنف، وإن وجب عندهم المضمضة والاستنشاق في الوضوء.
وعن أبي حنيفة روايات: إحداها: كقول الشافعي، وأحمد.
والثانية: إن ترك قدر درهم لم يجزئه، وإن ترك دونه أجزأه.
والثالثة: إن ترك دون ربع الوجه أجزأه، وإلا فلا.
والرابعة: إن مسح أكثره وترك الأقل منه، أو من الذراع، أجزأه، وإلا فلا، وحكاه الطحاوي عن أبي حنيفة، وأبي يوسف، وزفر. انتهى.
غير أنه بين أن من اشترط استيعاب جميع البشرة بالمسح، لم يشترط وصول التراب إلى جميع أجزاء الوجه، ما دام أنه قد أمر يديه على الوجه كله، قال -رحمه الله- بعدما سبق: قال الشالنجي: وقال أبو أيوب -يعني: سليمان بن داود الهاشمي-: يجزئه في التيمم إن لم يصب بعض وجهه، أو بعض كفيه؛ لأنه بمنزلة المسح على الرأس؛ إذا ترك منه بعضا أجزأه.
قال الجوزجاني: فذكرت ذلك ليحيى بن يحيى ـ يعني: النيسابوري ـ، فقال: المسح في التيمم كما يمسح الرأس، لا يتعمد لترك شيء من ذلك، فإن بقي شيء منه لم يعد، وليس هو عندي بمنزلة الوضوء.
قال الجوزجاني: لم نسمع أحدا يتبع ذلك من رأسه في المسح، ولا بين أصابعه في التيمم، كما يتبعوا في الوضوء بالتخليل، فأحسن الأقاويل منها ما ذكره يحيى بن يحيى: أن لا يتعمد ترك شيء من ذلك، فإن بقي شيء لم يعد ...
إلى أن قال: ونقل حرب، عن إسحاق، أنه قال: تضرب بكفيك على الأرض، ثم تمسح بهما وجهك، وتمر بيديك على جميع الوجه واللحية، أصاب ما أصاب، وأخطأ ما أخطأ، ثم تضرب مرة أخرى بكفيك.
ومراد إسحاق: أنه لا يشترط وصول التراب إلى جميع أجزاء الوجه، كما يقوله من يقوله من الشافعية، وغيرهم. انتهى.
وذكر بعض المالكية -وهم ممن يقول بوجوب الاستيعاب- أن ترك اليسير منه من غير قصد معفو عنه، جاء في كفاية الطالب الرباني عند قول ابن أبي زيد في صفة التيمم: ثم يمسح بهما وجهه كله مسحا): (ثم) بعد نفض يديه (يمسح بهما وجهه كله) مسحا، ويراعي الوترة، ولا يترك منه شيئا، ولو قل، ولا خلاف في وجوب ذلك ابتداء، فإن وقع شيء من ذلك، فقال ابن مسلمة: اليسير عفو. .. ورفع ما يتوهم من قوله: كله، أنه يمر على غضون الوجه بقوله: (مسحا) لأن المسح مبني على التخفيف. اهـ.
ومما سبق يتبين أن وجود حائل يسير، كمقدار حبة أو حبتي رمل على الوجه، لا يؤثر في صحة التيمم إذا أمر المتيمم يديه على جميع وجهه.
والله أعلم.