السؤال
أنا شاب جئت إلى أمريكا بعد الانتهاء من دراسة البكالوريوس في الهندسة، وأريد أن أجعل حياتي كلها للدعوة إلى الله -إن شاء الله- لكن تعيقني بضعة أمور، وأهمها: كيف أتعامل مع الكافرة الكاشفة لعورتها؟ مثلا كنت في ساحة ووضعت كشكا عليه لافتات تدعو للإسلام، وفيها تراجم للقرآن العظيم بالإنجليزية مجانا، واقتربت من هذا الكشك نساء كافرات، أو رجل وزوجته لمعرفة الإسلام. فكيف أكلمهن؟ هل يجوز في هذه الحالة النظر إليهن والتحدث معهن عن الإسلام، أم إن النظر إلى الكافرة الكاشفة لعورتها حرام في جميع الحالات، ولا يوجد أي استثناء إلا في حالة موت وحياة شخص؟ وهل يصح أن أنظر إليها عند الكلام معها، بحجة الأقل ضررا، يعني إما أن تبقى كافرة، أو أحاول جعلها مسلمة؟
فإذا كان النظر إليها حراما في كل الأحوال. فماذا أفعل عندما تقترب مني كافرة، ولم يكن حولي مسلمة لتخاطبها عني؟ فهل يحل لي أن أنظر إلى الكافرة بقصد الدعوة إلى الله؟
حقا أريد الدعوة إلى الله ليس للنساء بل للرجال، وأتمنى ألا أتعرض إلى امرأة، ولكن هذا البلد كثير وشديد الاختلاط، ولا أريد أن أعصي الله كي أدعو إلى الله، وأنا أعلم أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.
أرجوكم إعطائي إجابة مفصلة. كيف أتعامل مع هذا الموقف، إذا تبين أن النظر حرام؟
وشيء آخر: أرى دعاة يدعون الناس للإسلام وهم ينظرون للكافرات، ولا يغضون أبصارهم عنهن، ويقولون إن هذا النظر لحاجة، ويوفقهم الله فيسلم على أيديهم ما شاء الله، فكيف يعصون الله ويوفقهم الله لهداية الناس! فأنا لا أفهم.
وهل أستطيع الأخذ بفتوى العلماء الذين أجازوا النظر إلى وجه المرأة المحجبة، فسأعمل -إن شاء الله- مع منظمة دعوية، وسيكون فيها نساء متحجبات كاشفات لوجوههن؟
وجزاكم الله خيرا.
أرجو أن يطلع على سؤالي على الأقل شيخان.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فجزاك الله خيرا على جهودك في الدعوة إلى الله سبحانه، أو الحرص عليها، وعلى تعريف الناس بالدين الحق: دين الإسلام، ونسأل الله سبحانه أن يجعل ذلك في ميزان حسناتك. لكنا ننبهك على أمر هام وهو: أن قيام الرجال بدعوة النساء، باب خطير على دين المرء وخلقه، ولذا فإن الأولى أن يقوم على دعوة النساء، نساء مثلهن، ويتفرغ الرجال لدعوة الرجال.
وأما النظر إليهن وهن كاشفات عوراتهن -صدورهن وما إلى ذلك- فلا يجوز، ولا يبيحه دعوتهن للإسلام؛ لأن الغاية لا تبرر الوسيلة.
وقد استفتى سعيد بن أبي الحسن، أخاه الحسن البصري في أمر نساء الأعاجم اللاتي يكشفن صدورهن ورؤوسهن، فقال له الحسن: (غض بصرك). رواه البخاري.
وأما النظر لوجوه المسلمات العاملات معك في المنظمة الدعوية، فيجوز لحاجة التعامل معهن، بشرط أمن الفتنة، وعدم كونه بشهوة، وتحرم الخلوة بهن.
يقول الإمام النووي رحمه الله: إذا كانت حاجة شرعية، فيجوز النظر، كما في حالة البيع، والشراء، والتطبب، والشهادة ونحو ذلك، ولكن يحرم النظر في هذه الحال بشهوة، فإن الحاجة تبيح النظر للحاجة إليه، وأما الشهوة، فلا حاجة إليها. انتهى. من "شرح مسلم"
ويقول الإمام الرملي الشافعي رحمه الله: (ويباح النظر) للوجه فقط ( لمعاملة): كبيع، وشراء، ليرجع بالعهدة، ويطالب بالثمن مثلا، ( أو شهادة) تحملا وأداء لها وعليها. انتهى من "نهاية المحتاج"
وقال ابن قدامة: ( وإن عامل امرأة في بيع أو إجارة، فله النظر إلى وجهها؛ ليعلمها بعينها، فيرجع عليها بالدرك ( وهو ضمان الثمن عند استحقاق البيع )، وقد روي عن أحمد كراهة ذلك في حق الشابة دون العجوز، وكرهه لمن يخاف الفتنة، أو يستغني عن المعاملة. فأما مع الحاجة، وعدم الشهوة، فلا بأس. انتهى من المغني.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 5271, 30695 ,99911، 118134، 355630.
والله أعلم.