السؤال
عندما يدخل الناس إلى الجنة، فإنهم يتفاوتون في المنزلة حسب أعمالهم في الدنيا، فهل من الممكن أن يحسد أهل الجنة بعضهم بعضا، أو يغبطوا بعضهم؟ أو يكون هناك حسرة في قلوب بعضهم على تقصيرهم في الدنيا؟ وجزاكم الله خيرا.
عندما يدخل الناس إلى الجنة، فإنهم يتفاوتون في المنزلة حسب أعمالهم في الدنيا، فهل من الممكن أن يحسد أهل الجنة بعضهم بعضا، أو يغبطوا بعضهم؟ أو يكون هناك حسرة في قلوب بعضهم على تقصيرهم في الدنيا؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأهل الجنة لا تحاسد بينهم، ولا يجد المفضول منهم في نفسه غلا أو حقدا على من هو فوقه، ولا يجدون حسرة أو حزنا على ما مضى في الدنيا، كما قال تعالى: وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور {فاطر:34}، وقال تعالى: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين {الحجر:47}، قال الواحدي: نزع الغل إنما هو لئلا يحسد بعضهم بعضا في تفاضل منازلهم، وتفاوت مراتبهم في الجنة، واختار الزجاج هذا، فقال: وحقيقته -والله أعلم- أنه لا يحسد بعض أهل الجنة بعضا؛ لأن الحسد غل. انتهى.
وأما غبطة أهل الجنة بعضهم بعضا، فقد ورد ما يدل عليها، فعن معاذ رضي الله عنه قال: يقول الله تعالى: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون، والشهداء. رواه الترمذي.
ومعنى تلك الغبطة هو استحسان حالهم، قال القاري: يغبطهم النبيون، والشهداء . بكسر الموحدة من الغبطة بالكسر، وهي تمني نعمة على أن لا تتحول عن صاحبها، بخلاف الحسد، فإنه تمنى زوالها عن صاحبها، فالغبطة في الحقيقة عبارة عن حسن الحال، كذا قيل. وفي القاموس: الغبطة حسن الحال والمسرة، فمعناها الحقيقي مطابق للمعنى اللغوي، فمعنى الحديث يستحسن أحوالهم الأنبياء، والشهداء؛ وبهذا يزول الإشكال الذي تحير فيه العلماء. انتهى.
وأما حديث: ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله تعالى فيها. فهو على تقدير صحته؛ محمول على أن ذلك يقع وهم في الموقف، وأما إذا دخلوا الجنة، فلا حسرة تصيبهم، ولا حزن يعتريهم، قال المناوي: هذه الحسرات إنما هي في الموقف لا في الجنة، كما بينه الحكيم، وغيره. انتهى.
والله أعلم.