السؤال
القرآن أفضل كتاب -ولله الحمد-، ولكن جاءني وسواس: هل يقدر الله على أن يأتي بكلام أحسن منه؟
ودين الإسلام أكمل شريعة، فهل يقدر الله على أن يأتي بأكمل منه؟
القرآن أفضل كتاب -ولله الحمد-، ولكن جاءني وسواس: هل يقدر الله على أن يأتي بكلام أحسن منه؟
ودين الإسلام أكمل شريعة، فهل يقدر الله على أن يأتي بأكمل منه؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فعليك أن تؤمن بأن الله على كل شيء قدير، واطرح عنك هذه الوساوس، ولا تعرها اهتماما، وهذه الوسوسة التي عرضت لك، شبيهة بمسألة كبيرة تكلم فيها العلماء، فقد أنكر كثير من العلماء على الغزالي قوله: ليس في الإمكان أبدع مما كان؛ وذلك لكون هذه الكلمة مشعرة بالعجز، واعتذر عنه بعضهم بما ليس هذا محل بسطه، قال الشيخ بكر أبو زيد- رحمه الله-: ليس في الإمكان أبدع مما كان: هذه كلمة فاه بها أبو حامد الغزالي، فأخذت طورا كبيرا عند العلماء بين الإنكار والاعتذار؛ حتى ألفت فيها رسائل منها: (تشييد الأركان في: ليس في الإمكان أبدع مما كان) للسيوطي، وللبقاعي رسالة في الرد على السيوطي، ثم رد عليه السيوطي. انتهى.
وتحرير القول في هذا ما ذكره شيخ الإسلام -رحمه الله- فقال ما عبارته: وقد قال طائفة -كأبي حامد، وغيره-: ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم؛ لأنه لو كان ممكنا ولم يفعل، لكان بخلا يناقض الجود، أو عجزا يناقض القدرة. وأنكر ذلك آخرون، ونسبوه في ذلك إلى الفلسفة، وقالوا: إذا كان أهل السنة ينكرون على القدرية الذين يقولون إن إصلاح العباد ليس ممكنا، فكيف بهذا؟ وقال آخرون: فصل الخطاب أنه إن أريد بذلك أن الله لا يقدر على غير ما فعل، أو أن ذلك ممتنع لذاته؛ فهذا خطأ، وهو يشبه قول الدهرية القائلين بالموجب بالذات. وإن قيل: إنه على كل شيء قدير، ولو شاء لفعل غير ما فعل، ولو شاء أن يؤتي كل نفس هداها لفعل، لكن فعل ما فعل لحكمة، والمشروط بغيره يمتنع وجوده بدون شرطه، فليس ممتنعا لنفسه، وإنما امتنع لغيره. ومن فعل مراده ولوازم مراده، لم يكن بترك ما ينافي مراده عاجزا؛ إذ الجمع بين النقيضين ممتنع لذاته، وإنما العاجز من إذا أراد شيئا لم يمكنه فعله، والممتنع لذاته ليس شيئا باتفاق العقلاء، فهذا قول أكثر المسلمين. انتهى.
وقال الشيخ أيضا: وما يحكي عن الغزالي أنه قال: ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم. فإنه لو كان كذلك ولم يخلقه، لكان بخلا يناقض الجود، أو عجزا يناقض القدرة. وقد أنكر عليه طائفة هذا الكلام. وتفصيله أن الممكن يراد به المقدور، ولا ريب أن الله سبحانه يقدر على غير هذا العالم، وعلى إبداع غيره إلى ما لا يتناهى كثرة، ويقدر على غير ما فعله، كما قد بينا ذلك في غير هذا الموضع، وبين ذلك في غير موضع من القرآن. وقد يراد به: إنه ما يمكن أحسن منه، ولا أكمل منه، فهذا ليس قدحا في القدرة، بل قد أثبت قدرته على غير ما فعله، لكن قال: ما فعله أحسن وأكمل مما لم يفعله، وهذا وصف له سبحانه بالكرم، والجود، والإحسان، وهو سبحانه الأكرم، فلا يتصور أكرم منه سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. انتهى.
والحاصل: أن عليك أن تؤمن بأن الله على كل شيء قدير، وأن ما فعله وشرعه هو ما تقتضيه رحمته وحكمته البالغة، التي يستوجب الحمد عليها، واطرح عنك الوساوس، ولا تشغل نفسك بها؛ فإن الاسترسال معها يفضي إلى شر عظيم.
والله أعلم.