السؤال
هل تصح صلاة من يستطيع التجويد في الفاتحة ولم يجود؟ وما رأي المذاهب الأربعة في هذا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فتصح الصلاة دون تجويد الفاتحة لمن يستطيع تجويدها، إذا كان يخرج الحروف من مخارجها، ويقيم الحركات ضما وكسرا وفتحا وسكونا؛ لأن ما زاد على هذا من التجويد الوارد في قواعده المعروفة مستحب ومستحسن، وليس بواجب، قال ابن عثيمين -رحمه الله- في فتاوى نور على الدرب: القراءة بالتجويد ليست واجبة، وإنما هي سنة لتحسين الصوت بالقرآن؛ لأنه ينبغي على الإنسان أن يحسن صوته بتلاوة كتاب الله، ومن التحسين التجويد، وأما كونه واجبا، فلا، إذا كان الإنسان يقيم الحركات: يرفع المضموم، ويفتح المنصوب، ويكسر المجرور، ويسكن الساكن، فليس عليه إثم في ذلك. اهـ. وقال أيضا: القراءة بالتجويد على حسب القواعد المعروفة إنما هي على سبيل الاستحباب والأكمل، وأما الواجب فإنه إقامة الحروف فقط، بحيث لا يسقط حرفا أو يزيد حرفا، وأما أوصاف الحروف من مد وغنة وقلقلة وما أشبه ذلك، فإنه من باب الاستحباب، وليس من باب الوجوب، على ما أراه في هذه المسألة. اهـ.
وفي إجابة لابن باز -رحمه الله تعالى- عن سؤال يقول: هل تجوز قراءة سورة من القرآن الكريم بدون تجويد وبدون تطبيق أحكام التجويد، وخاصة في الصلاة؟
قال: نعم، إذا أقام الكلمات على الطريقة العربية، فإنه يجوز له، لكن مع التجويد والعناية أفضل وأكمل. اهـ.
والظاهر من كلام أهل المذاهب أن تجويد القراءة منه ما هو واجب تبطل الصلاة بتعمد تركه للقادر عليه، ومنه ما هو سنة أو مستحب، لا تبطل الصلاة بتركه.
فالواجب منه ما أقام الحروف، وضبط شكلها، أي: لم يكن فيه لحن جلي يغير مبنى الكلام ويفسد معناه.
والمستحب منه ما ضبط أحكام التجويد -كالإتيان بالإدغام التام والناقص، والقلقلة، ومقدار المدود، والغنة-.. فاللحن الخفي لا يخل بالقراءة، بخلاف اللحن الجلي، فإنه يخل بمبناها ومعناها. كما قال بعضهم: التجويد نوعان: ما احترز به من تغيير المعنى والإعراب، وهو واجب، وما احترز به من غير ذلك، وهو مندوب. وإليك أقوال بعضهم:
قال علي القارئ في شرح المقدمة الجزرية -وهو حنفي- بعد بيانه أن مخارج الحروف وصفاتها ومتعلقاتها معتبرة في لغة العرب، قال: فينبغي أن تراعى جميع قواعدهم وجوبا فيما يتغير به المبنى، ويفسد به المعنى، واستحبابا فيما يحسن به اللفظ، أو يستحسن به النطق حال الأداء. اهـ.
وأما اللحن الخفي فقال: لا يتصور أن يكون فرض عين، يترتب العقاب على قارئه لما فيه من حرج عظيم. اهـ.
وجاء في البيان والتحصيل لابن رشد المالكي: وسئل مالك: عن الهذ في القرآن؟ فقال: من الناس من إذا هذ كان أخف عليه، وإن رتل أخطأ، ومن الناس من لا يحسن يهذ، والناس في ذلك على حالهم فيما يخف عليهم، وذلك واسع. اهـ.
وقال الشافعي في الأم: وأقل الترتيل ترك العجلة في القرآن عن الإبانة، وكلما زاد على أقل الإبانة في القراءة كان أحب إلي، ما لم يبلغ أن تكون الزيادة فيها تمطيطا. اهـ.
وجاء في الدقائق المحكمة شرح المقدمة الجزية لزكريا الأنصاري الشافعي عند قوله:
والأخذ بالتجويـد حتـم لازم ... من لم يجـود القـرآن آثـم.
بأن يقرأه قراءة تخل بالمعنى أو بالإعراب، فهو آثم. اهـ.
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله- في الشرح الممتع على زاد المستقنع في الفقه الحنبلي: ولم يذكر المؤلف كراهة إمامة من لا يقرأ بالتجويد؛ لأنه لا تكره القراءة بغير التجويد. والتجويد من باب تحسين الصوت بالقرآن، وليس بواجب. اهـ
والحاصل أن صلاة من لم يجود صحيحة، وأن التجويد منه ما هو واجب، ومنه ما هو سنة ومستحب -كما أشرنا-.
هذا، وبإمكانك أن تطلع على بحث صغير الحجم مهم في هذا الموضوع للقاضي: محمد فال الديماني وهو مطبوع بعنوان: نازلـة في التجويـد بتحقيق الدكتور/ السالم أحمد الجكني الأستاذ المساعد ورئيس قسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بالمدينة المنورة، ذكر فيه أقوال العلماء من أهل المذاهب وغيرهم، ثم لخصله بهذه الأسطر، فقال:
وحاصله: أن التجويد هو ما يحترز به من اللحن، وأن اللحن نوعان: جلي، وهو: ما يؤدي إلى الإخلال بالمعنى أو الإعراب، وخفي، وهو: ما لا يخل بواحد منهما؛ فما احترز به من الجلي، تجويد واجب، وتركه إثم، وما احترز به من الخفي، تجويد مستحب، وتركه مكروه، وأن إطلاق وجوب التجويد محمول على ما يحترز به من اللحن الجلي، أو هو على إطلاقه؛ والمقصود به الواجب الصناعي، لا الواجب الذي هو أحد أقسام حكم الشرع، وأن الأصل هو مطلوبية التيسير في قراءة القرآن. اهـ.
والله أعلم.