السؤال
كيف أقنع نفسي، بتفاوت الدرجات في الجنة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فيمكن إقناع نفسك وتحفيزها لعمل الصالحات، بكثرة مطالعة ما ثبت من نصوص الوحيين المرغبة في أعمال الخير، والدالة على أن أهل الجنة يتفاضلون فيها بحسب أعمالهم، وتختلف مراتبهم ودرجاتهم فيها، كما نطق بذلك الكتاب والسنة، قال تعالى: ولكل درجات مما عملوا {الأنعام:132}.
قال ابن الجوزي رحمه الله: ولكل درجات مما عملوا: أي منازل ومراتب بحسب ما اكتسبوه من إيمان وكفر، فيتفاضل أهل الجنة في الكرامة، وأهل النار في العذاب. انتهى.
وظاهر النصوص أنهم يحسون بالتفاوت، ولكن لا يحسد بعضهم بعضا؛ فقد قال الله تعالى: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين {الحجر:47}.
قال الواحدي: نزع الغل إنما هو لئلا يحسد بعضهم بعضا في تفاضل منازلهم، وتفاوت مراتبهم في الجنة، واختار الزجاج هذا. فقال: وحقيقته -والله أعلم- أنه لا يحسد بعض أهل الجنة بعضا؛ لأن الحسد غل. انتهى.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب؛ لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين.
وجاء في منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري: أي: أنهم يشاهدون عن بعد أهل المنازل العالية في الجنة، كما كانوا يشاهدون في الدنيا الكوكب البعيد في أفق السماء. انتهى.
وقال ابن علان في دليل الفالحين: أهل الجنة متفاوتو المنازل بحسب درجاتهم في الفضل، حتى إن أهل الدرجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم، كما قال: لتفاضل ما بينهم ..والغابر.. قال عياض: معناه الذي يبعد الغروب، وقيل: معناه الغائب، ولكن لا يحسن هنا، لأن المراد بعده عن الأرض، كبعد غرف أهل الجنة عن بعضها في رأي العين. والرواية الأولى هي المشهورة. ومعنى الغابر: الذاهب. وقد فسره بقوله في الحديث: "من المشرق إلى المغرب". قال القرطبي: شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة، برؤية الرائي الكوكب المضيء الباقي في جانب الشرق والغرب في الاستضاءة مع البعد، وفائدة ذكر المشرق والمغرب: بيان الرفعة وشدة البعد، والمراد بالأفق: السماء. وفي رواية لمسلم: من الأفق من المشرق والمغرب. انتهى.
ومن الأسباب المعينة على نيل أعلى الجنة: حفظ القرآن وتلاوته بترتيل، والعمل به، فعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وكذا قال الألباني رحمهما الله تعالى.
قال الخطابي: فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة، ومن قرأ جزءا منه كان رقيه من الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة. انتهى.
وجاء في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي:... جاء في الأثر أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة في الآخرة، ومن قرأ جزءا منه، كان رقيه في الدرج على ذلك، فيكون منتهى الثواب على منتهى القراءة. اهـ.
وفي عون المعبود شرح سنن أبي داود: صاحب القرآن: من يلازمه بالتلاوة والعمل والتدبر.. لا من يقرؤه ولا يعمل به. اهـ.
ومنها: حسن الخلق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه. رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
ومنها الدعاء: كما في حديث البخاري: إذا سألتم الله الجنة، فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة. انتهى.
والله أعلم.