السؤال
ما حكم انتقاد الميت على فعل فعله، ولا زال أثر فعله إلى اليوم؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل عدم جواز سب الأموات، وتنقصهم وانتقادهم بما فعلوا، بل يترحم عليهم، ويدعى لهم بالمغفرة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا الأموات؛ فإنهم أفضوا إلى ما قدموا. رواه البخاري. لكن إن وجدت مصلحة راجحة تدعو إلى انتقاد الميت وذكره بسوء، كأن كان مبتدعا فيحذر من بدعته، أو كان ظالما فيحذر من ظلمه، ومن عاقبة ما آل إليه، فلا حرج في ذلك والحال هذه، ويكون ذلك مخصصا لعموم النهي عن سب الأموات.
ودليل ذلك ما في الصحيح من ثنائهم على الجنازة خيرا وشرا، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم على ذلك بقوله: وجبت. ثم بقوله: أنتم شهداء الله في الأرض.
قال ابن حجر في الفتح: قوله ـ يعني البخاري: باب ما ينهى من سب الأموات ـ قال الزين بن المنير: لفظ الترجمة يشعر بانقسام السب إلى منهي وغير منهي، ولفظ الخبر مضمونه النهي عن السب مطلقا، والجواب أن عمومه مخصوص بحديث أنس السابق، حيث قال صلى الله عليه وسلم عند ثنائهم بالخير وبالشر: وجبت، وأنتم شهداء الله في الأرض ـ ولم ينكر عليهم. انتهى.
ومن هذا الباب ذكر الحجاج وأضرابه من الظلمة، وذكر المأمون وأشباهه من الدعاة إلى البدعة، تحذيرا للناس، وبيانا لعاقبة الظلم، وتذكيرا بصبر العلماء وثباتهم، ولم يزل العلماء يذكرون أمثال هذا عبر العصور.
قال الشوكاني في شرح الحديث المذكور: والوجه تبقية الحديث على عمومه، إلا ما خصه دليل كالثناء على الميت بالشر، وجرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتا؛ لإجماع العلماء على جواز ذلك، وذكر مساوئ الكفار والفساق للتحذير منهم والتنفير عنهم، قال ابن بطال: سب الأموات يجري مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير وقد تكون منه الفلتة، فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقا معلنا، فلا غيبة له، وكذلك الميت. انتهى.
فإن لم تكن مصلحة من ذكر الميت بما فيه من المساوئ، فالأولى الكف، والسلامة لا يعدلها شيء، وما أحسن ما قال الشوكاني ـ عليه الرحمة ـ وعبارته: والمتحري لدينه، في اشتغاله بعيوب نفسه، ما يشغله عن نشر مثالب الأموات، وسب من لا يدري كيف حاله عند بارئ البريات، ولا ريب أن تمزيق عرض من قدم على ما قدم، وجثا بين يدي من هو بما تكنه الضمائر أعلم، مع عدم ما يحمل على ذلك من جرح أو نحوه، أحموقة لا تقع لمتيقظ، ولا يصاب بمثلها متدين بمذهب. انتهى.
والله أعلم.