السؤال
قرأت حديثا معناه: أن الإيمان يأرز إلى المدينة، وحديثا معناه: أن آخر حد لحدود المسلمين هو منطقة في خيبر، ألم يحصل هذا في أيام الاستعمار البريطاني والفرنسي، أو لربما حصل قبل حروب الردة؟ بصراحة أحس بالهم والحزن عند قراءة هذه الأحاديث؛ فأنا إذا أردت أن أدعو ناسا للإسلام، فسأقول لنفسي: ربما سيرتدون.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما كون الإيمان يأرز إلى المدينة؛ فقد أخرج هذا الحديث البخاري ومسلم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن الإيمان ليأرز إلى المدينة، كما تأرز الحية إلى جحرها.
وأما المعنى الثاني الذي ذكرته، فلم نقف على ما يدل عليه، ومعنى أن الإيمان يأرز إلى المدينة ليس كما توهمته، ونحن نذكر لك معناه، كما ذكره النووي في شرح صحيح مسلم، وعبارته: وقوله: الإيمان يأرز إلى المدينة، معناه أن الإيمان أولا وآخرا بهذه الصفة؛ لأنه في أول الإسلام كان كل من خلص إيمانه وصح إسلامه، أتى المدينة إما مهاجرا مستوطنا، وإما متشوقا إلى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومتعلما منه ومتقربا. ثم بعده هكذا في زمن الخلفاء كذلك، ولأخذ سيرة العدل منهم، والاقتداء بجمهور الصحابة -رضوان الله عليهم- فيها، ثم من بعدهم من العلماء الذين كانوا سرج الوقت وأئمة الهدى؛ لأخذ السنن المنتشرة بها عنهم، فكان كل ثابت الإيمان منشرح الصدر به يرحل إليها، ثم بعد ذلك في كل وقت إلى زماننا؛ لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، والتبرك بمشاهده وآثاره، وآثار أصحابه الكرام، فلا يأتيها إلا مؤمن. هذا كلام القاضي. انتهى.
وأما هذا الدين فسيبلغ قبل آخر الزمان ما بلغ الليل والنهار، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا {الفتح:28}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر. أخرجه أحمد وغيره من حديث تميم الداري -رضي الله عنه-.
فأبشر -أيها الأخ- وأمل ما يسرك، وادع إلى الله تعالى، وارج فضله، واعلم أنه سيمكن لهذا الدين بمنه وكرمه، ثم إن على المسلم أن يدعو إلى الله، ويبين محاسن الدين، فإذا فعل هذا، فقد فعل ما عليه، وليس عليه أن يسلم الناس، أو يثبتوا على الإسلام، فإن الله يحاسبه على فعله لا على فعل غيره، وقد قال تعالى: ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء {البقرة:272}.
والنصوص في هذا المعنى كثيرة، فابذل وسعك في الدعوة إلى الله، ولا تصابن بالإحباط، وأحسن ظنك بربك تعالى، واعلم أن راية هذا الدين سترتفع، وسيظهر على كل دين خالفه، بحول الله وقوته.
والله أعلم.