السؤال
نبهني أحد الأشخاص في المسجد ألا أنزل للسجود على يدي أولا قبل ركبتي عملا بالحديث الذي ينهى عن مشابهة الإبل في بروكها عند السجود، وأتذكر أني قرأت أن في الموضوع خلافا بين العلماء؛ فمنهم من يقول إن النزول على الركبتين هو مشابهة الإبل المنهي عنها، ومنهم من يقول بل النزول على اليدين هو المشابهة للإبل؛ لأن الإبل تبرك على يديها "قائمتيها الأماميتين" أولا... ولم أنظر بالتفصيل لأدلة كل من الفريقين.
فأجبته أني قرأت عن هذا الموضوع، وأن هناك خلافا بين العلماء، وأنه ترجح لدي أن النزول على الركبتين هو مشابهة الإبل المنهي عنها؛ لأن الإبل تضع مفاصل قوائمها الأمامية أولا على الأرض، كما يضع الإنسان مفصلي ركبتيه أولا على الأرض، وقلت له إن قائمتي الإبل الأماميتين تسمى أرجلا وليس يدين.
واستدللت بآية "ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع" على أن الأربع هي أربع أرجل _ ولم أسمع أو أقرأ عن أحد استدل قبلا بهذه الآية على هذا الموضوع _ وقد قلت هذا لأني أتذكر أني قرأت استدلالات لغوية مماثلة عن مواضيع أخرى مختلفة في فتاوى ومقالات ومنتديات موثوقة، وليس عندي خبرة كافية لا باللغة العربية وقواعدها، ولا بالتفسير خصوصا، والعلم الشرعي عموما.
فسألني إن كنت قرأت تفسير الآية حتى أستدل بها؟ فأجبته بــلا، و استدركت فقلت له إني أخطأت في استدلالي بالآية قبل قراءة تفسيرها، وإن من تكلم في القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب؛ لتعديه على كلام الله بغير علم. أستغفر الله وأتوب إليه.
بحثت عن تفسير هذه الآية في بعض كتب التفسير، فلم أجد ذكرا لموضوع النزول على الركبتين في أي منها.
سؤالي هو: هل استدلالي بهذه الآية على أن قوائم الإبل كلها تسمى أرجلا صحيح أم لا؟
وما حكم استدلالي ببعض الآيات لمعان وأحكام لم أسمع أو أقرأ عن أحد من العلماء استدلاله بها عليها؟
مثلا استدللت بآية "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" على أن في الآية استثناء يدل على أن الإنسان مكلف بما في وسعه، وسيحاسب عليه إن لم يفعله، وذلك لأرد على من يستدل بهذه الآية على تهاونه في كثير من التكاليف مما هو في وسعه.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فقد سبق لنا أن ذكرنا أقوال الفقهاء في مسألة الهوي للسجود. هل يبدأ فيه باليدين أم بالركبتين، ورجحنا استحباب الهوي باليدين أولا، كما في الفتوى رقم: 120022 .
ولم نقف على من استدل بقوله تعالى: ...ومنهم من يمشي على أربع ... { النور: 45} على النهي عن مشابهة البعير في النزول على مقدمتيه على اعتبار أنهما رجلان وليستا يدين، ولا شك أن الآية تفيد إطلاق الرجل على ذوات الأربع؛ كالبعير، كما قال الألوسي في روح المعاني في تفسير الآية {ومنهم من يمشي على أربع} قال: كالنعم والوحش والظاهر أنه المراد أربع أرجل، فيفيد إطلاق الرجل على ما تقدم من قوائم ذوات القوائم الأربع، وقد جاء إطلاق اليد عليه. اهـ
ولكن كما قال الألوسي جاء أيضا إطلاق اسم اليدين على بعض قوائم ذوات الأربع؛ كقول سراقة بن جعشم في قصة الهجرة عندما لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ليظفر بالجعل الذي جعله المشركون لمن يقبض عليهما قال : ... حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات، ساخت يدا فرسي في الأرض، حتى بلغتا الركبتين، فخررت عنها، ثم زجرتها فنهضت، فلم تكد تخرج يديها، فلما استوت قائمة، إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء مثل الدخان ... والحديث رواه البخاري.
ومما جاء في إطلاق اليد على قائمة البعير ما رواه البيهقي في السنن عن سعيد بن جبير, قال: رأيت ابن عمر ينحر بدنته وهي قائمة معقولة إحدى يديها صافنة.
وقد فسر بعض العلماء الآية الكريمة {ومنهم من يمشي على أربع} الأربع بأنها الرجلان واليدان؛ كما قال الشربيني الشافعي في السراج المنير: {ومنهم من يمشي على أربع} أي: من الأيدي والأرجل .. اهـ ، وقال مثله البقاعي في نظم الدرر.
فالاستدلال بالآية على ما ذكرت ربما يكون له وجه، ولكن ليس صريحا، ونرجو أن لا حرج عليك فيه، ولم نقف على كلام لأحد العلماء استدل بها على المراد.
والاستدلال بقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ...} سورة البقرة: 286، على ما ذكرت استدلال صحيح لا نرى فيه إشكالا.
ونوصيك بالاجتهاد في طلب العلم، والتثبت من معنى ما تستدل به؛ سواء من القرآن أو من السنة.
والله تعالى أعلم.