السؤال
{فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين} [البقرة:249]، والسؤال: قال الله تعالى: "فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه"، ثم قال: "قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله"، فهل لفظ المؤمن في كتاب الله، تعني كل شخص قال: أنا مؤمن فقط من دون نية قلبه؟ وهل هذا يعني أن خطاب الله جل وعلا بـ: "يا أيها الذين آمنوا"، موجه إلى كل شخص قال: "أنا مؤمن من دون قصده أو نيته".
وقول الله: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله" هل الذين آمنوا هنا المقصود بها أي مؤمن مهما كانت نيته، أم يقصد بها ما في قوله: "الذين يظنون أنهم ملاقو الله" يعني أيقنوا إيقانا تاما؛ لأننا نعلم أن الذين قاتلوا مع طالوت -لا أعرف إن كانوا كلهم مؤمنين بيقين- من بني إسرائيل، وبنو إسرائيل معروفون، فلماذا أطلق الله كلمة الإيمان عليهم؟ وما هو مقياس هذه الكلمة حاليا في مجتمعنا؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم أولا أن الإيمان يزيد وينقص، ويتفاضل أهله فيه، كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة، ودلائل ذلك كثيرة، والآية التي صدرت بها من أدلة ذلك على أحد التفسيرين.
فإن طالوت جاوز هو والذين آمنوا معه، وكانوا فئتين: فئة موقنة عظيمة الإيمان، فهؤلاء هم الذين ثبتوا وقالوا: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله {البقرة:249}، والأخرى مؤمنة، ولكنها أقل إيمانا من سابقتها، وهؤلاء الذين ظنوا أنهم يغلبون، فقالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده {البقرة:249}.
قال الألوسي -رحمه الله-: قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده، أي: لا قدرة لنا بمحاربتهم ومقاومتهم، فضلا عن الغلبة عليهم، وجالوت كطالوت، والقائل بعض المؤمنين لبعض، وهو إظهار ضعف، لا نكوص...
قال على سبيل التشجيع لذلك البعض، وهو استئناف بياني: الذين يظنون، أي: يتيقنون أنهم ملاقوا الله بالبعث والرجوع إلى ما عنده، وهم الخلص من أولئك، والأعلون إيمانا، فلا ينافي وصفهم بذلك إيمان الباقين؛ فإن درجات المؤمنين في ذلك متفاوتة. انتهى.
فإذا علمت هذا؛ اتضح لك المقام، وعلمت أن اسم الإيمان يخاطب به في القرآن من صدقوا بما جاءت به الرسل، وانقادوا لشرع الله ظاهرا وباطنا، وهم في ذلك متفاوتون، فبعضهم أقوى إيمانا من بعض، لكنهم جميعا يشتركون في وصف الإيمان الموجب للنجاة من العذاب، وهذا الإيمان لا بد أن يكون مصحوبا بتصديق القلب ويقينه بصحة ما جاءت به الرسل.
أما التلفظ بلفظ الإيمان مع إبطان ضده، فهو النفاق -والعياذ بالله-، والمنافقون ليسوا داخلين في جملة المؤمنين، وإن شملهم حكم الإسلام بحسب الظاهر، لكنهم في الآخرة من الخاسرين.
وأما قوله: يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي {الحجرات:2}، فهو تأديب من الله تعالى للمؤمنين من أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وبيان لكيفية الخطاب معه صلى الله عليه وسلم، قال القرطبي: وقيل: كان المنافقون يرفعون أصواتهم عند النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليقتدي بهم ضعفة المسلمين، فنهي المسلمون عن ذلك. انتهى.
وقال أبو حيان في البحر: ولم يكن الرفع والجهر إلا ما كان في طباعهم، لا أنه مقصود بذلك الاستخفاف، والاستعلاء؛ لأنه كان يكون فعلهم ذلك كفرا، والمخاطبون مؤمنون. انتهى.
فتبين به بوضوح أن اسم الإيمان يشمل كل من دخل في الإسلام ظاهرا وباطنا، ولا يشمل المنافقين، وغيرهم.
وأما قوله تعالى: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله {الرعد:28}، فلا إشكال فيه بحال، فمن الواضح أنه ثناء على المؤمنين بتلك الصفة الجليلة.
وأما أمر الخواتيم الذي أشرت إليه في سؤالك، فلا ينافي خطاب من كان مؤمنا بذلك الخطاب في حال إيمانه، فإذا زال عنه وصف الإيمان، لم يكن داخلا في عموم ذلك الخطاب، وهذا واضح جدا.
والله أعلم.