السؤال
قرأت قول الله تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال)، ولكني لم أعرف متى وكيف تم عرض الأمانة، ومن قبل حملها؟ ومن المفترض أن يكون الإنسان العاقل هو من يأبى حمل الأمانة، وليس السماوات والجبال غير العاقلة، وكيف يحمل شخص آخر أمانة بالنيابة عني؛ حيث إنني لم أقبل أي أمانة من قبل؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فلم يخبرنا الله تعالى عن كيفية عرض الأمانة، ولا عن الوقت الذي عرض فيه الأمانة، ولو كان في إخبارنا به فائدة، ويترتب عليها عمل لأخبرنا به سبحانه، فلا تسأل عما لا فائدة فيه، ولم تؤمر بالعلم به.
والسماوات والأرض تعقلان خطاب الله لهما، وتجيبان وتطيعان وتتكلمان، وقد قال عز وجل: ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين [سورة فصلت:11]، ويوم القيامة تحدث الأرض أخبارها، كما قال تعالى: يومئذ تحدث أخبارها * بأن ربك أوحى لها [سورة الزلزلة:4 ـ 5]، قال في أضواء البيان: قوله: يومئذ تحدث أخبارها، التحديث هنا صريح في الحديث، وهو على حقيقته; لأن في ذلك اليوم تتغير أوضاع كل شيء، وتظهر حقائق كل شيء، وكما أنطق الله الجلود ينطق الأرض، فتحدث بأخبارها، ... لأن الله أودع في الجمادات القدرة على الإدراك والنطق، والمراد بإخبارها أنها تخبر عن أعمال كل إنسان عليها في حال حياته؛ ومما يشهد لهذا المعنى حديث المؤذن: لا يسمع صوته حجر، ولا مدر، إلا وشهد له يوم القيامة. اهـ.
وقولك: "كيف يحمل شخص آخر أمانة بالنيابة عني"؟ جوابه: أنه لم يحمل أحد الأمانة نيابة عنك، كما تزعم، بل إن الله تعالى أخذ عليك الميثاق بنفسك حين كنت في صلب أبيك آدم أن تعبده، ولا تشرك به، فأقررت، وسلمت، وقد أخبرك الله تعالى بهذا الميثاق في كتابه في قوله تعالى: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين * أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم [الأعراف:172-173].
عن أبي بن كعب في قول الله عز وجل: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم) الآية قال: جمعهم، فجعلهم أرواحا، ثم صورهم، فاستنطقهم، فتكلموا، ثم أخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قال: فإني أشهد عليكم السماوات السبع، والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم عليه السلام أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا، اعلموا أنه لا إله غيري، ولا رب غيري، فلا تشركوا بي شيئا، وإني سأرسل إليكم رسلي، يذكرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، قالوا: شهدنا بأنك ربنا وإلهنا، لا رب لنا غيرك، فأقروا بذلك، ورفع عليهم آدم ينظر إليهم، فرأى الغني والفقير، وحسن الصورة، ودون ذلك، فقال: رب، لولا سويت بين عبادك، قال: إني أحببت أن أشكر .. رواه أحمد، وحسنه الألباني في المشكاة.
وروى ابن جرير عن ابن عباس: أن الله مسح صلب آدم، فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، وأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطى الميثاق يومئذ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر، فوفى به نفعه الميثاق الأول، ومن أدرك الميثاق الآخر، فلم يف به، لم ينفعه الميثاق الأول، ومن مات صغيرا قبل أن يدرك الميثاق الآخر، مات على الميثاق الأول على الفطرة.
وعلى القول بأن الأمانة هي التكاليف الشرعية، فإنها تحملها ابتداء آدم -عليه السلام-، والله تعالى أمر ذريته بتلك الأمانة، لا لأجل أن أباهم تحملها نيابة عنهم، بل لأنه تعالى يفعل ما يريد: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون [الأنبياء:23]، وهو خلق آدم وذريته ابتداء لأجلها: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [الذاريات:56].
والله تعالى أعلم.